بداية، لنحاول الإتفاق على بعض الوقائع التي قد تساعدنا في الوصول إلى خلاصة في موضوع حسّاس: أثر المواقع الإلكترونية لشبكات التواصل الإجتماعي على «الربيع العربي». ربما أهم هذه الوقائع أن تاريخ البشر عرف عدداً هائلاً من الثورات قبل ابتكار ما يُعرف حاضراً ب «الإعلام الإجتماعي» Social Media. ثانياً، إن شبكات التواصل الإجتماعي Social Networks ، مثل «فايسبوك» و «تويتر»، لا تتعدى كونها أدوات إعلام وتنسيق تستخدم حاضراً، تماماً كما كانت تستخدم المنشورات وإشارات الدخان وكلمات السر ونقاط التجمع السرية سابقاً. ليس من كبير مجازفة في القول إن الإعلام الإجتماعي الإلكتروني لم يكن سبباً للثورات العربية. ومن يريد أن يعرف لماذا انتفض شباب تونس ومصر وسورية وليبيا واليمن، عليه ان يراجع المعطيات السياسية والإجتماعية والاقتصادية في هذه البلدان. لقد سارعت وسائل الإعلام التقليدي، ربما انطلاقاً من ولعها بإطلاق الألقاب و «تعليب» الظواهر، لتصف ثورات «الربيع العربي» بأسماء مثل ثورة تويتر» Twitter Revolution و «ثورة فايسبوك» Face Book Revolution. والحق أن هذا التسرّع ربما افتقد إلى الدقة والإنصاف، أقله في رأي كثير من متابعي شؤون الناس وعوالم المعلوماتية والإتصالات. في المقابل، عمد آخرون إلى الانتقاص ممن وُصِفوا ب «جيل الفايسبوك»! في خضم هذا الإضطراب حيال ظاهرة الشبكات الإجتماعية، نسي البعض عوامل مؤثرة كان لها دور أساسي في ثورات الشارع العربي، ربما أضخم من تأثير الإعلام الإجتماعي الرقمي، مثل القنوات الفضائية أو صلاة الجمعة باعتبارها نقطة تجمع وانطلاق ثبُتَ أنها في غاية الفعالية في الحشد والتعبئة وتنسيق جهود الجمهور. ثورة الإنترنت قادمة؟ لا تسعى هذه المقدمة للتقليل من شأن «تويتر» أو «فايسبوك»، بل أنها مجرد محاولة لوضع الأمور في إطار أكثر واقعية. لنتذكر بعض الوقائع المباشرة. لقد بلغ إجمالي مستخدمي الإنترنت في العالم العربي في العام 2009 قرابة 40 مليون شخص طوال العام، وهو يعادل عدد مشاهدي قناة «الجزيرة» الإخبارية (باللغة العربية) في يوم، وفق دراسة نشرها مركز «سنتر فور انترناشونال ميديا آستسنس» Centre for International Media Assistance الأميركي في شباط (فبراير) 2011. بقول آخر فإن «الجزيرة» تحقق في يوم، ما يتطلب جهداً على مدار 356 يوماً بالنسبة الى الانترنت، على رغم ما تحويه من مواقع إلكترونية وخدمات متنوعة! وفي الدراسة نفسها، أشارت الأرقام إلى أن عدد مستخدمي الانترنت عربياً سيقفز إلى 100 مليون شخص بحلول العام 2015، ومع تنامي سرعة الاتصال والتحميل، يتضاعف تأثير الانترنت عربياً، ولربما أدى ذلك الى إندلاع «ثورة الإنترنت» فعلياً. إذاً، من الصعب التغاضي عن تأثير الفضائيات في الحوادث التي نشاهدها حاضراً. ما يصفه البعض ب «ثورة تويتر» هو فعلياً من أثر ثورة المعلوماتية التي بدأت مع منتصف تسعينات القرن العشرين، حين تمكن جمهور عربي واسع، للمرة الأولى، من متابعة نشرات أخبار وبرامج حوار ساخنة، بعيداً من البروباغندا الحكومية، أو ما يعرف بأخبار «استقبل وودع». ومع دخول الانترنت السريعة بحزم النطاق العريض Internet Broadband وانتشاره عربياً، يضحي الفرد العربي أكثر تفاعلاً مع الانترنت، كما يقدر على تحميل أشرطة فيديو، وإنشاء مدوّنة إلكترونية، وتبادل أخبار مع شبكة من الناس، من دون الخضوع للرقابة كلياً. الأرجح أن هذه المتغيرات كانت بعيدة من إدراك أشخاص مثل الزعيم الليبي معمر القذافي أو الرئيس المصري السابق حسني مبارك أو الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أو غيرهم من قادة العرب الذين صدموا بالحوادث المتسارعة في شوارع بلدانهم. إذ بقي هؤلاء القادة في مناصبهم لعقود طويلة. وأدمنوا على أسلوبهم الاحادي الاتجاه في التواصل، وحجب صوت المعارضة، وهي ممارسات تختلف جذرياً مع اسلوب التواصل المفتوح والتعددي الذي تقدّمه الانترنت. ولعل أبرز ما يثبت بُعد هؤلاء القادة العرب من التغيرات الحاصلة في مجال التواصل هو عدم استيعابهم، (وكذا الحال بالنسبة الى ماكيناتهم الإعلامية)، بأن ما كان يمكن فعله في أوقات سابقة، لم يعد ممكناً حاضراً. ومن الأمثلة البارزة على ذلك فضيحة صحيفة «الأهرام» المصرية في العام الماضي، حين عمدت لاستخدام برنامج «فوتوشوب» لتحرير الصور، كي تُغيّر موضع الرئيس المصري (السابق) حسني مبارك لتضعه متقدماً عن الرئيس الأميركي باراك أوباما، في صورة مشتركة لهما أثناء حضورهما قمة شرم الشيخ للسلام! ثم اكتُشِف هذا الزيف، وذاع أمر الفضيحة بفضل مستخدمي «فايسبوك» و «تويتر» الذين نشروا الصورة الحقيقة. وكخلاصة، فلعله ليس دقيقاً القول إن وسائل الإعلام الإجتماعي كانت سبب نجاح أي ثورة. ففي حالتي مصر وسورية، يستطيع المراقب أن يُركّز أيضاً على دور الجيش في هاتين الحالتين، وعلى غرار هذا، يبرز دور قوات الحلف الاطلسي في ليبيا. واستطراداً، ربما كان من المفيد طرح سؤال عن سبب عدم نجاح المحاولات في سورية واليمن، لحد الآن. المقال مرتكز على محاضرة ألقاها الكاتب في جامعة كامبردج البريطانية بتاريخ 9 أيلول (سبتمبر) 2011 ضمن ندوة «نفوذ المواطن الرقمي».