الفيس بوك على خارطة الإعلام: يوظَّف الفيس بوك كرافد من روافد الإعلام الجديد، بصفته أهم مواقع التواصل الاجتماعي (social media): فإن هذا الموقع بوصفه موقعًا اجتماعيًا جماهيرياً، يعدّ مرجعًا ومصدرًا مهمًا وجديدًا للإعلام بشكل عام سواء المرئي منه أو الورقي. وتوظيف هذا المصدر له عدة أوجه: 1- صفة الجماهيرية تجعل محتوى الفيس بوك مادة ثرية للإعلاميين والصحفيين، من خلال استقاء المعلومات وتتبع الآراء، وكذلك متابعة الرأي العام. كما أن من تقنياته المضافة أخيرًا إمكانية طرح استفتاء عام، ينتقل من دائرة لأخرى ويتوسع لأكبر قاعدة من خلال تمدد شبكي بين الأصدقاء. ومما يعزز اهتمام الإعلام به كمصدر إخباري ما قامت به إدارة الفيس بوك مؤخرا من إطلاق صفحة جديدة لمساعدة الصحافيين على استخدامه (Journalists on facebook ) وهذا في أبريل من هذا العام حسب ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. 2- إن الفيس بوك بأشخاصه وتعليقاتهم، وصفحاته العامة بالمنضمين إليها وآرائهم، وكل حالة (فيسبوكية) تُحدث شرارة لاندلاع نقاش مثرٍ أو حاد .. هي مادة وربما تكون المصدر الوحيد للإعلام كالقنوات الإخبارية؛ فقناة العربية وظفت ذلك كثيرا في متابعتها للنبض السياسي وكذلك الاجتماعي. من خلال رصدها لموضوع (الانتخابات البلدية) وحملات مقاطعتها على الفيس بوك. وكذلك القضية الأسخن في السعودية (قيادة المرأة للسيارة)، وما حصل من جدل مثير ساخن ساخر بين الفريقين المؤيد والمعارض في ردهات الفيس بوك. وغيرها من القضايا والمشكلات في المجتمع السعودي التي تتجاوز الإعلام التقليدي للفضاء الرحب مثل: حماية المستهلك وحملات المقاطعات التجارية، مشاكل موظفي الجهات الحكومية والقطاع الخاص كوزارة الخدمة المدنية مع المعلمين والمهندسين، وتعيين طياري الخطوط السعودية، وموظفي الاتصالات السعودية، وغيرها. 3- كما أن الفيس بوك يمنح المنصات الإعلامية للجهات والأفراد على حد سواء. فالجهات تستثمر هذا الموقع الاجتماعي للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من خلال عرض ما لديها من نشاطات وأعمال، أو منتجات ومشاريع؛ مما يحقق لها إعلامًا ميسرًا مباشرًا، لا يكلفها سوى القيام برفع محتويات (الميديا) الخاصة بها. مقارنة بالإعلام التقليدي الذي يتطلب المرور بمراحل متعددة من جهة، ويظل أضيقَ نطاقًا من جهة أخرى. وممن يقوم بذلك بعض الوزارات كوزارة الثقافة والإعلام، ووزارة التعليم العالي، والنوادي الأدبية، وبعض الجمعيات العلمية كالجمعية العلمية السعودية للغة العربية، وبعض الملحقيات الثقافية خارج البلاد، والصحف والقنوات التلفزيونية وغيرها من الجهات. أما الأفراد فهناك العديد ممن يمتلك صفحة للتواصل مع متابعيه وجمهوره، يطرح من خلالها كتاباته ومقالاته وبعض الميديا الخاصة به، كوزير الثقافة والإعلام د. عبد العزيز خوجه، ومدير جامعة الملك سعود د. عبدالله العثمان، ود. حياة سندي، ود. صلاح الراشد ود. نجيب الزامل، والكاتب فهد الأحمدي وغيرهم الكثير من المثقفين والأدباء. أخيرا.. هل سيكون الفيس بوك شرارة وقتية؟ وهل الحديث حول مصداقيته المشكوك فيها تبقى وصمة في جبينه رغم كل ما جناه الإعلام التقليدي من خلاله؟ ورغم كل التحذيرات التي تنشأ بين وقت وآخر منه .. حول الخصوصية والمصداقية من جهة وآثاره السيئة على المجتمع من جهة ثانية .. إلا أن تزايد مستخدميه مستمر! وهل القول بالتشكيك في مصداقيته، بالنظر إلى أخباره بعين الشك يقلل من شأنه بين وسائل الإعلام الأخرى؟ إن الفيس بوك دكّ صروح الإعلام التقليدي حين كسر أسوار الرقابة المفروضة دائمًا على الإعلام. بل إن مصداقيته قد تكون أعلى من مصداقية الإعلام التقليدي الذي يمرر (أحيانًا) بعض الأخبار لمصلحة ما، في حين يكشف مستخدمو الفيس بوك (بشفافية) حقيقة هذه الأخبار من مصادر أوثق ومباشِرة. كما أنك من خلال الفيس بوك ستعرف أخبارًا لن تجدها في الإعلام التقليدي؛ لما يحققه الأول من معدلات أعلى في الشفافية والحرية الإعلامية. قد أجدني منحازة للفيس بوك والإعلام الجديد، ولكني لا أظنه انحيازًا عاطفيا بقدر ما يكون هو المتطلب عصريًا، فلا يمكن أن نبقى على وتيرة إعلامية واحدة، بل لا بد أن نسعى للجديد فيما يخدم الحراك الإعلامي والثقافي والاجتماعي، مع مراعاة المعايير الأساسية والخطوط العريضة الثابتة. ورقة مقدمة ضمن حلقة نقاش: (المصداقية والمهنية في الإعلام الجديد)- نادي الرياض الأدبي - الأحد 10يونيو 2011م