مُصيبة «أهل العشق» أنهم يلاحقون نفوساً قبيحة، لها وجوه جميلة. وكان عمّنا المتنبّي خبيراً جداً في تشخيص هذه الحالة البشرية النمطية. فقد كان يرى أنهم: تفنى عيونهمُ دمعاً وأنفسهمْ في إثر كلّ قبيحٍ وجههُ حسنُ! وفي الحبّ، والسياسة، والاجتماع، والعلوم أيضاً.. هناك وجوه جميلة، وأشياء أخرى قبيحة. إلا أن «الحبّ» يظلّ أعمى لا يُبصر إلا عبر نظارة الرضا عن الوجه الظاهر. وهذا يذكّرنا بعمٍّ آخر من أعمامنا هو عمر بن أبي ربيعة الذي ترك لنا تشخيصاً آخر هو «حسنٌ في كلّ عينٍ مَنْ تَوّد». وللمناسبة؛ فإن أعمامنا الشعراء مارسوا معنا أساليب إضلال لا حصر لها في ملاحقة النفوس القبيحة ذات الوجوه الجميلة! بدءاً من تلك الصخرة الخاوية من الحياة المسمّاة ب»القمر»، وانتهاء بالسياسيين والزعماء ذوي البطش والفتك والتنكيل. وإلا فإن القمر ليس أكثر من جرم سماويّ كرويّ مخيف وجههُ جميل لأن الشمس تُعطيه بعض ضوئها. ولكن الشعراء أعطوه أضواء أكثر مما ينبغي، فصارت النساء أقماراً، والحبيبات بدوراً، والمائسات أهلّة! إنه إضلالُ الشعراء! إضلالٌ آخر؛ هو ذلك الحبرُ المسفوك في أمهات الكتب وآبائها في مديح العتاة. وجوه جميلة يلاحقها الشعراء والمداحون وال»مفبركون» لتحسين الملمس الخشن المكتنز بالشوك، وتزيين الصخر النافر المتداخل في نفسيات باطشة. وما أكثر أعمامنا وأخوالنا المولعين بالباطشين. ومثلما يضعُف العاشق أمام قبيحة موبوءة تحمل قواماً مفصّلاً و»مؤهلات» مثيرة؛ «ينبطح» المدّاحون على «بلاط» المديح غزلاً وتشبيباً ونسيباً.. بل وهيماناً في بحور الشعر والإعلام والمنابر المتاحة! إنه الإضلال الذي يريد أن تظهر الصورة القبيحة.. جميلة!