دون مواربة بما قد يشي العنوان، قال: «في باريس احتميتُ بقريتي، أحملها كَنَارٍ لا تنطفئ، ألقي السلام بصوت مرتفع كما كنّا نفعل، وعندما اكتشفت أنهم لا يسمعون، ألقيت السلام على السلام بصوت خفيض». يأتي هذا التنصيص ضمن العمل الروائي الإبداعي «الحزام»، للباحث والروائي والأديب أحمد أبو دهمان، ابن منطقة عسير ذات الرحابة والمجد والكرم الذين هم بحجم أشجار الحبّ وشلالات العذوبة، وابن قرية آل خلف التي تصافح السماء بموقعها على قمم جبال السروات، وفي هذه الرواية التي تعتبر أول عمل إبداعي لسعودي وخليجي يكتب باللغة الفرنسية؛ لتنشرها دار غاليمار الفرنسية في عام 2000، فيما تمت ترجمتها إلى اثنتي عشرة لغة، وقام هو بتعريب الرواية ونشرها في عام 2001. وتبدو المفارقة بين ما ينتجه المبدعون في عسير الكرم والأصالة، كما في رواية الحزام، العمل الذي يجعل الإنسان في ذاكرة المكان محور ألق يسطع من خلاله ضياء الإنسانية، ليصل إلى فضاءات الروح بما تسبغه أنوار البهاء في مديات الحياة، وبين حزام ينسف الطهر وينقض بمخالب الشر وسوأة الحقد البغيض بروح أعماها الضلال، واستلبها الاستحمار، وشرّع لأفكارها عمى البصائر وأرباب الفتن والضلالة، التي ما فتئت في عصرنا ومنذ حركات تلبّست بلبوس الدين، والدين وأهله منهم براء، كما في حركة جهيمان الإرهابية، وبعدها أفعال الشر والبغي والعدوان من فئات القاعدة والأفغان العرب الذين قتلوا وذبحوا الأطفال والنساء والشيوخ في الجزائر، وفعلوا ما فعلوا في مصر في الثمانينيات وما بعدها، وطال إرهابهم وعدوانهم وطننا في أكثر من مدينة وموقع، كما حدث في الرياض والدمام، ولكن الله تعالى أركسهم وأطفأ نائرتهم، التي ما لبثت أن عادت في أثواب الشيطان ضمن منتجات إرهابية تختلف في المسميات، ولكنها تجتمع في الفكر والضلالة والفعل والقول، فمرقوا من الدين، وقتلوا وفجروا في مساجد المسلمين الآمنين في بلاد الحرمين الشريفين وقاها الله شر الفتن من كل آثم وحاقد وحاسد من داعش والقاعدة وأصنامها من المنظّرين. وبعد ملف البيانات التي تمت الإشارة إليها حول الإرهابي الذي فجر في مسجد قوة الطوارئ في عسير، فيما يؤكد أن هذا الإرهابي ذا الروح النتنة والجسد العفن، الذي اتضحت صورته الشوهاء وسيرته السوداء، بدءاً من ضلالة أبيه، ووصولاً إلى مطية الشيطان والعصيان والعدوان، من اجتذبته شياطين الشر وخفافيش الظلامية، فهو وأمثاله ممن تبين أنهم يكفّرون كل من خالفهم ويقتلونه، وهذا عقلاً وشرعاً يقتضي وجوب التصدي لهم بكل مستويات المواجهة والتصدي، فكرياً وأمنياً واجتماعياً ودينياً وإعلامياً وسياسياً وعسكرياً. وليس بالهين مشاهدة حجم الألم على ذوي الشهداء الذين صعدت أرواحهم إلى الله بارئهم سبحانه في بيت من بيوت الله، وفي لحظات القرب لله سبحانه؛ فشهادة 15 مصلِّيا بين عسكري أو جندي متدرب أو عامل، أحزن الجميع وأثكلهم، بعدما أيتم هذا الانفجار الأطفال والأبناء وأثكل الأمهات والزوجات والآباء والعوائل الذين طالتهم آثار الضلال الذي لا يمكن تفسيره، سواء في هذا الفعل الإجرامي الحاقد أو غيره مما جرى من قبل سنين أو في هذه السنة كما في الدالوة والقديح والدمام والرياض وعرعر والخفجي إلا أنه عدوان وحرب على الأمة أجمع؛ فالمسؤولية تقع على الجميع، لدرء شرور هذه الفئة الضالة والفرقة الباغية والزمرة المحاربة لله ورسوله. ومؤكداً أن الحِمْل ثقيل، والحِمْلُ الثقيل لا يقوم به إلا أهله، والجميع في هذه الأمة قادرون على ضرب خراطيم التكفير العاهر والتفجير الفاجر. لكن ثمة أسئلة محورية يجب أن يتم تحقق الإجابة عنها عملياً، ومن ذلك: ما هو مدى توغر ما يعرف بالبحوث المسحيّة التي تتناول بالتفكيك وقراءة الظاهرة واستقصاء النشأة والنمو العضوي في جسدها داخل مجتمعنا؟، ولا يخفى أن هناك أكثر من إرهابي فجر نفسه مؤخراً، فيما أشارت المعلومات أنه لم يسافر للخارج، وهذا يجعلنا نتساءل مرة أخرى ما هي المصادر التقنية والمادية والفكرية التي جعلت من ابن 21 عاماً وغيره أن يكونوا مشاريع قتل وتدمير في بلادنا الغالية عبر اختطاف عقولهم وحشوها بأفكار فاتكة وممارسات سادية. كما يرد السؤال حول نوع ومدى الحلول الرصينة التي تضمن إيقاف هذا الفكر المنحرف. رحم الله شهداء التفجير في مسجد طوارئ عسير وربط على قلوب عوائلهم والوطن بالصبر والسلوان، ويا عسير الورد يا روح الجنوب/ ألف لا بأس الوجع، يا الغالية.