لن التفت لحجم الغضب الذي سيسببه المقال في أوساط المعلمين ولن أعلق على ما يتعلق به المعلمون من أسطوانات مستهلكة أن المعلمين مربو الأجيال وأصحاب المهنة العظيمة ولن أُعير من سيفهم الموضوع على غير جوانبه الحقيقية لأني اعتدت وجود فئة من القرّاء ينظرون لنصف الكوب الفارغ ويتركون النصف الممتلئ. فالمقال هنا ليس لهذا المقام ولكن سأتحدث عن أزمة عمل ومصيبة أداء وكارثة مستقبل لمهنة باتت من أريح المهن واعتاد فيها المعلمون على السبات الشتوي والمبيت الصيفي والخواء الربيعي والنوم الخريفي في ظل تعاقب الإجازات وموازاتها مع إجازة الطلاب وكأن المعلمين طلاب موظفون وتحولت الوزارة في حقبتها الأخيرة إلى وزارة لتدليل المعلمين والمعلمات على حد السواء. المعلمون لدينا الأكثر مطالبة منذ زمن بكل ما يتاح المطالبة به وهذا موضوع أشبع طلبا وأفحم رفضا ولكن أن يطالب المعلمون ويتضايقوا من وزارتهم مطالبين بتأجيل الدراسة لإكمال سبات الفصول الأربعة فهذا الغريب المريب من قائمين على مهنة يجب أن لا تقتلها الإجازات والعطلات ومع ذلك غضب الإخوة المعلمون مطالبين بالتأجيل إمعاناً في التدليل الذي صنعته بيروقراطية الوزارة طوال سنوات في ظل اجتهادات ماضية خلال أعوام ماضية بدوام لاحق وسابق قبل بدء دراسة الطلاب يروح وقته وإنتاجه كله في جلسات الإفطار وفي مواعيد الثلوثيات البائسة وفي الاتكالية والتعاقب والتناوب على توقيع دفتر الحضور الذي يشرف عليه في تلك الأيام الخوالي فراش المدرسة أو حارس بوابتها. في علم النفس المهني نظريات وقواعد تؤكد أن ابتعاد الموظف عن وظيفته يؤدي إلى خلق أجواء من التقاعس والخذلان في الأداء وسوء النتائج. المعلمون والمعلمات يقومون بأداء متشابه طيلة أيام الدراسة في ظل ابتعاد الوزارة وخلو استراتيجياتها من تطوير أداء المعلمين وكفاءاتهم ويزيد على ذلك تعاقب الإجازات التي تزيد الأمر سوءا فيبعد المعلم عن مهنته ويبتعد عن مهمته ويتباعد عن تطوير نفسه مما جعل التعليم لدينا متأخرا وجامدا في إطار تطوير المعلم الذي يقاس على أدائه مؤشرات تحقيق الأهداف التربوية وتربية أجيال حقيقية وتوظيف الرؤى المستقبلية لذلك. وزارة التعليم لديها خطط منذ سنوات ولكنها لا تفعل، اهتمت الوزارة كثيرا بالأنشطة والبنية التحتية التي لا تزال تراوح مكانها ولم تحقق المنشود، الوزارة بذخة جدا في ميزانيات المباني والتجهيزات ولكنها تركز على جانب وتترك جوانب ثم تكاسلت الوزارة كثيرا في تطوير المعلمين وكأنها تتهرب من مطالب المعلمين وضغوطهم في مطالب أخرى بإغراقهم في الإجازات. على الوزارة أن تفتح ملف تطوير المعلمين وأن تعيد النظر في خطة جديدة وتوقيت عمل مختلف للمعلمين أثناء الإجازات حتى لا تهجر المدارس وكي لا يعتاد المعلمون والمعلمات على السبات ويغرقوا في البيروقراطية وتشابه الأدوار وخذلان النتائج وحتى يكون هناك استغلال للإجازة في تنمية التعليم وتطوير المعلمين وإلحاقهم بدورات وفتح المدارس لتكون مواقع للأنشطة الثقافية والتعليمية وتهيئة لهم للعام الدراسي الجديد وربط المعلم بالاستمرارية في العمل واندماجه في وظيفته حتى نصل لنتائج تنعكس بالإيجاب على حاضر التعليم ومستقبله.