عطفاً على ما تناقلته مؤخراً بعض الصحف الورقية والإلكترونية التي تابعت الجدل بين وزارتي التربية والتعليم، والخدمة المدنية حول أحقية المعلمين والمعلمات بمكافأة نهاية الخدمة من عدمها، التي على أثرها صدر قرار بإيقاف مكافأة نهاية الخدمة للمعلمين والمعلمات الذين على رأس العمل حالياً، وهو قرار مجحف في حق جميع من تنطبق عليهم لائحة الوظائف التعليمية، لأنهم سيحرمون من المكافأة التي تسلمها زملاؤهم السابقون، مما يجعلني أصر على أهمية ما ذكرته في مقال سابق عن وضع المعلمين والمعلمات، والنظر إلى كادرهم الوظيفي (سلم الوظائف التعليمية) الذي يعدّ الآن الأضعف في سلم رواتب موظفي الدولة. وحين جاءني عتبُ عددٍ من الزملاء الإداريين على ما كتبته في ذات المقال، توقعت أنهم لم يدركوا حجم ما يترتب عليه إغفال المعلمين من مثل هذه الحوافز، حيث ذكرت أن وزارة التربية بصدد إقرار حوافز مادية ومعنوية للمديرين فقط (مديري التعليم) الذين هم في الأصل معلمون وأكبر حافز لهم أنهم أصبحوا يقبعون في مكاتب مكيفة فاخرة، وزملاؤهم يقفون بين الطلاب والطباشير وأوراق الاختبارات ودفاتر الواجبات، فما الذي يقدمه المديرون للمجتمع ليحفزوهم أكثر من غيرهم؟ أليس للمعلمين الموجودين في المدارس الحقّ في مثل هذه الحوافر؟ وجاءت الآن كارثة وقف مكافأة نهاية الخدمة عنهم، ولا أظن مثل هذا القرار سيمر مرور الكرام، فهو جرح كبير سيقذف بعدد كبير منهم إلى خارج الخدمة بالتقاعد المبكر.وذكرت أيضاً أن المعلمين شريحة كبيرة تحتل أرقاماً هائلة في ديوان الموظفين العام، ويمثلون شريحة كبيرة في المجتمع، وهؤلاء المعلمون هم الفئة التي لا يكتب عنها أحد، ولا يذكر جهودها أحد إلا النزر اليسير، وهم أنفسهم يزهدون في الكتابة عن مهنتهم، ومتاعبها، ويأنفون عن المطالبة بأبسط حقوقهم، فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً وسلم الوظائف التعليمية أو (كادر المعلمين) مكانك سر، مما جعل كثيراً من خريجي الجامعات من المؤهلين تأهيلاً كاملاً يرغبون عن التعليم ويذهبون بعيداً عنه بحثاً عن عمل يوفر لهم قيمة معنوية بصرف النظر عن الراتب الذي سيتقاضاه، وبهذا يحرم الوطن من هذه الكوادر الوطنية التي كان بالإمكان الاستفادة منهم في بناء الأجيال تعليمياً، وفكرياً وثقافياً، ولكن وزارة التربية فيما أراه لا تنظر للمعلمين على أنهم الحلقة الأهم في حلقات التربية والتعليم. وعندما نقول: كثير من المعلمين تركوا هذه المهنة الشريفة، وذهبوا بحثاً عن غيرها لعدم وجود حوافز مادية ومعنوية، ذلك لأن (سلم الوظائف التعليمية) منذ أن صدر قبل أكثر من ثلاثين عاماً حتى الآن لم يحظَ بأي تطوير، ولا بأي مناقشة، ولا بأي التفاتة نحوه، فكثير من المعلمين توقفت درجات علاواتهم عند الدرجة الأخيرة من السلم، وبعضهم توقفت علاواته منذ أكثر من عشر سنوات، ولم يجد هؤلاء من يهتم ، لتصحيح أوضاعهم المالية المتردية. هناك بعض المطالبات بتصحيح أوضاع المعلمين المعينين على مستويات أقل، وقد تحسنت لبعضهم أوضاعهم الوظيفية قليلاً، وهذا جميل جداً، ولكن ماذا بعد هذا التصحيح؟ وماذا عن المعلمين الآخرين الذين هم على رأس العمل، أولئك الذين يبكرون -منذ أكثر من ثلاثين عاماً- إلى مدارسهم عند شروق الشمس، ويتعاملون مع النشء بمختلف أعمارهم، وقد تخرجت على أيديهم أجيال من الأطباء والمهندسين والمعلمين وغيرهم ممن أسهموا في بناء التنمية الوطنية، ألا يستحق أولئك محفزات لتشجيعهم على أداء دورهم التربوي الذي قاموا به على أكمل وجه؟ لست أدري حتى متى يظل المعلم يعاني من وضعه المادي والمعنوي؟ في ظل التطورات المهنية لكل المراتب الوظيفية الإدارية والفنية الأخرى، إلا هذه المهنة الشريفة مهنة (المعلم) التي لم يُهتم بها ولا بموظفيها الاهتمام الأمثل، فدخل فيها من ليس منها، وأصبحت مخرجاتها هي الأسوأ والأدنى بالمقارنة مع أمثالها في الجوار ولن أذهب أبعد من ذلك. وذكرت أيضاً أن بعض مديري التعليم ليسوا بحاجة إلى حوافز مادية ومعنوية، بل هم بحاجة إلى دورات تأهيلية لتطويرهم ولجعلهم يقومون بعملهم الذي يعتريه كثير من النقص، في ظل غياب كامل عن متابعة أدائهم الوظيفي، فكثير من هؤلاء المديرين يذهب إلى مكتبه عند العاشرة صباحاً ويغلق مكتبه ويفتح جهازه على الأسهم، ولا يعلم ماذا يجري في خارج غرفته، ويعوّلون على أن لديهم مساعدين يهتمون بشؤون التربية الإدارية والمالية والتعليمية، وهم ليسوا ببعيدين عما يفعله المديرون، وقد لمست هذا بنفسي، أمِثل هؤلاء يستحقون تحفيزاً؟لعلي كنت قاسياً فليسامحني الزملاء فهذا هو وضع معظم المديرين، وهذا واقع الحال طعمه مر المذاق، وطعم الحقيقة علقم كالمرار، ولكنه كالشهد عندما يتقبلها الصادقون المخلصون قولاً وعملاً، ولعل في ندائي ما يعدل المسار، ويعطي المستحقين من المعلمين حقهم المسلوب.هذا نداء أكرره للمعنيين بالأمر، (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) التفتوا إلى المعلمين فهم حجر الزاوية في العملية التعليمية والتربوية، وهم بحاجة ماسة إلى الحوافز المادية والمعنوية، أكثر من غيرهم، وهم بحاجة ماسة إلى أن تلتفت إليهم كل الجهات المعنية بأمر تطوير العملية التربوية والتعليمية في مدارسنا، فكثير من هؤلاء المعلمين حالتهم متردية نفسياً ومادياً ومعنوياً، ولم تعد مهنة التعليم هي المهنة التي يتباهى بها المعلمون كما كان في السابق، فلم يعد المعلم هو ذلك الذي يقومون له ويوفونه التبجيلا، ولم يعد ذلك المعلم الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولاً، لقد صار همه كيف يوفر لنفسه ولأسرته لقمة العيش في ظل أدنى درجات الأمان الوظيفي من مهنة التعليم، والله من وراء القصد. نُشر يصحيفة الشرق*