تعالت صيحات في وسائل التواصل الاجتماعي تدين التحرش بفتاتي كورنيش جدة، فيما تعالت أخرى تجرم خروج الفتاتين في وضع غواية للشبان المتحرشين، دبابات وبحر وفتنة، مما تسبب في ارتفاع مستوى «الدوبامين» عند الشبان الذين ارتكبوا جريمة التحرش، ولم يمض وقت قليل حتى ظهرت فتاة الطائف بحجاب محتشم جدا وقد تحلق من حولها شبان يلوث دماءهم نفس «الدوبامين» الكامن في أوردة شبان كورنيش جدة، ثم توالت الفيديوهات وظهر فيديو لفتاة هبطت من عربتها لتكبح جماح متحرشين اعترضوا طريقها. وانقسم المجتمع إلى فريقين: فريق يدين اقتحام الفتاة بيئة مختلطة تسببت في جلب الأذى إليها، ويعتقد أن فكرة سن قانون بهذا الشأن سيقود إلى «تشريع الزنا بالتراضي» والعياذ بالله. والفريق الآخر يدين سلوك الشبان غير المتحضر ويطالب بقانون لتجريم التحرش ومعاقبة مرتكبيه من الجنسين، لأن ذلك سيتكفل بحماية المجتمع أمنيا وفكريا واجتماعيا من التجاوزات اللاأخلاقية. ما زلت أتذكر حالة الهلع التي أصابت الفتيات وأولياء أمورهن في أكبر مجمع تجاري في المدينة ليلة احتفال وطني مهيب، بدأ المساء سعيداً وكلّ واحد يرفرف بيده الأعلام الخضراء ثم ما لبث أن استحال المكان إلى جوقة صياح ودفاع مستميت من الآباء أمام الأنياب المسعورة، التي تحينت فرصة التجمع الكبير وأنشبت أظافرها في وداعة الإناث المذعورة. تدخل رجال أمن المجمع وقاموا بإغلاق البوابات لإيقاف تدفق أي معونات خارجية للنمور، التي فقدت صوابها أمام رائحة العطر الأنثوي، وانتهت الحكاية بفض الاحتفال الذي سوف يتكرر كل عام دون إعلان أي تفاصيل عن الفضائح، ولكن هل انتفت الحاجة إلى سن قوانين للتحرش؟ من يضمن ألا تتحول الحالات الفردية إلى جماعية، ونحتاج إلى قوات ردع أمنية أكبر من قوات أمن المجمع! هناك أمر مهم قد تحميه قوانين التحرش لو تم سنها وتطبيقها، وهو القضاء على ذلك الفكر المتجذر منذ بدء الخليقة عن غواية المرأة، وقابلية حريتها للسلب على يد أي رجل يحمل هراوة في يديه، فالإسلام محا كل تلك الصور البدائية الموروثة القديمة عن المرأة في القرآن وبالتفصيل في سورة النساء وغيرها من السور، التي نصت على أن المرأة ليست كائنا مشاعا، بل إنسانة كاملة الأهلية، لها حقوق وعليها واجبات، فليس من حق أب أن يواريها تحت التراب، ولا من حق رجل أن يستحل عفتها دون ولي وشاهدين، مما يؤكد على أن للمرأة كيانا مستقلا له مكانته وحقوقه في أي مكان وتحت أي ظرف، وأن الحلوى (ولو مكشوفة) في حوزة متجر كبير عليه أن يحميها من التلف أو السرقة. وهناك أمر آخر يجب أن نحسب له حسابا وهو قادم لا محالة، فوزارة العمل سمحت للمرأة بالعمل في الأماكن العامة وأصبح مألوفا أن تعمل المرأة السعودية مأمورة سنترال بفندق أو موظفة استقبال بمستشفى، وبذلك اجتمع «العنز والتيوس» في مكان واحد ولم يعد المثل الذي تتشدق به جداتنا «امسكوا غنمتكم» يحول دون مضايقة المرأة عند خروجها لطلب الرزق الشريف، ولم يعد هناك مفر من تزويد بدل النجاة لركاب الطائرة أو المركب. نحن لن نقول إن «البحر غدار» وأننا غارقون جميعا، ولكن بإمكاننا أن نقول بأن طوق النجاة بات أحد مستلزمات الأمن والسلامة، فمن يدري يا بحر؟ «ضحكة أمواجك تسل سيوفا».