نرى ونسمع ونتابع في الإعلام المرئي ومواقع التواصل كثيراً من حالات تحرش شباب بفتيات، لتتجه العيون مباشرة على ذلك الشاب إما للإيقاع به أو التبليغ عنه أو القبض عليه، وتبقى الفتاه حرة طليقة رغم أنها أحد أقطاب القضية. قد يكون الوضع عادياً أن يتحرش شاب بفتاة وأن يقبض ذلك الشاب ويُحال للمحاكمة أيضا يكون أمراً عادياً وأن يتم الحكم عليه لمجرد التحرش بأحكام قد تقضي على مستقبله أو تُنهي طاقات الإبداع لديه، ومع ذلك فتلك العقوبات لم ولن تُحد من التحرش وسيزال مازال المؤثر باقياً، إن أردنا الحلول لقضايانا علينا أن نكون واقعيين ومنطقيين وعقلانيين مع أبعاد القضية وعمقها المعرفي التي لا تُخفى على أحد فكلنا نعيش داخل مجتمع نسمع ونرى ما يدور فيه، لأن الأمر ليس سهلا، فالشاب أسبابه التي يؤسف بأنها لا يُعد بها، فهو مجرم في نظر القضاء والشريعة، مع أن الأمر ليس كذلك. اتفق مع الجميع في ظروف ونوع وآلية التحرش والمسببات، للحكم عليها ولكن لنتحقق من تلك القضايا التي في أماكن عامة أو شبه عامة، «أسبابها ومسبباتها، ظروفها وردات أفعالها»، ولنكن منطقيين في الحكم عليها، ومنصفين. يقال دائما بأن لكل فعل ردة فعل مساوٍ له في المقدار معاكس في الاتجاه، كقاعدة ثابتة لا ينكرها عقل، ومن الاستحالة أن يتهجم شاب في حالته الطبيعية بفتاة دون سبب أو مؤثر يجعل له ردة فعل مساوية لمقدار المُسبب، فالفتاة مثلا عندما تخرج بعباءة تبرز مفاتنها وماكياج لافت للانتباه وملابس قصيرة تحت عباءتها الضيقة، ثم تتجول مستعرضة كل ما وهبها الله من فتنة بين شبان في مجتمع مغلق، وكأن لسان حالها يقول لهم ها أنا ذا، ولو أن ذلك ليس مبرراً للتحرش ولو أنه مؤثر، ولا يعني أن الفتاة وحدها هي سبب كل قضايا التحرش فالشاب أيضا كذلك، الذين يختلفون باختلاف نوع القضية وأسبابها واختلاف قدراتهم على المقاومة وردات أفعالهم. فمنهم من لا يستطيع المقاومة في الوقت الذي جعل الله فيه عاطفة هرمونية كادت أن تطيح بيوسف عليه السلام لولا أن رأى برهان ربه، لذلك كان على الجهات أيضا التحقيق مع المؤثر «الفتاة» قبل المٌتأثر «الشاب» إذا كان المؤثر في وضع التأثير ومحاسبتها بل ومحاكمتها، خصوصا وأن معظم قضايا التحرش سببها المؤثر، بصورة مباشرة أو غير مباشرة وهنا أكرر في حال أن المؤثر في وضع التأثير أو حالة تبرج، وفتنة. فإذا كانت المعرفة تقول إن سبب السلوك الإنساني كله هو معارفهٌ وغرائزه التي يصبح في الحالة الثانية عديم المقاومة اتجاه المؤثرات الغريزية التي أودعها الله في بني البشر ليصبح تلقائي السلوك اتجاه عاطفة هرمونية تسببت في تعذيب الملكين هاروت وماروت، هنا لا أتحدث عن قضية تحرش بعينها أو تجنيا على الفتيات حيث إنهن الأم والأخت والزوجة وعلينا احترامهن ومعاقبة من يسيء لهن، ولكن في بعضهم مشعل الفتنة وبالمقابل لا نتجنى على قطب قضية وندع الآخر هكذا يتحقق للميزان الوقوف في المنتصف. وهناك قاعدة تقول يزول الفعل بزوال المؤثر سواء كان شاباً أم فتاة فلا نشعل فتيلا داخل مشتق نفطي ونقول له لا تحترق.