لا أشك قطعًا في أن إيران لو استطاعت أن تقصفنا بالقنبلة النووية لفعلت، لكنها بالتأكيد لا تستطيع؛ لأنها أصلا لا تمتلك سوى البراميل المتفجرة التي ترسلها لطاغية سوريا، هذا هو المنطق الصحيح للفوبيا الإيرانية التي أرعبت الصحافة والإعلام الخليجي، هي لا تمتلك سوى خطط دون مقومات تستطيع أن تنفذ خططها المزعومة. بعد الاتفاق النووي الذي هز الإعلام السعودي أضحت الرؤى الإعلامية والسياسية ساذجة على حد سواء، حيث ينتشر تنظير سطحي لا ينم عن دول لها أهداف بعيدة المدى، بل لا تستنتج من ذلك إلا الانبطاحية والاستسلام وانتظار النهاية. بعد قراءتي لتحليلات بعض السياسيين أيقنت بصعوبة المرحلة السياسية التي نمر بها ليس من تهديدات خارجية كإيران وغيرها بل مما يدور في الفكر السياسي الخليجي الذي لا يعرف سوى الخوف، يعلم كثير منّا أن أمريكا ليس لها عدو أو صديق ونعلم أيضا أن إيران والمملكة العربية السعودية تقفان ببعد متساوٍ بالنسبة لأمريكا، فالاثنتان من أصدقاء أمريكا وأعدائها في نفس الوقت، من يقترب من مصالحها فهو عدوها ومن يسير بنفس الاتجاه الذي تريده فهو صديقها وهكذا. هذا هو تفسير مقولتهم الشهيرة «ليس لنا أعداء دائمين أو أصدقاء دائمين بل لنا مصالح دائمة». أمريكا تريد أن تقوم بعمل توازنات بين القوى في الشرق الأوسط، فبعد أن انطلقت الحربة السعودية بقيادة العالم الإسلامي من خلال التحالف الذي تقوده على أذرع إيران في المنطقة وبعد انكفاء إيران أمام هذا التوجه الجدي للقيادة السعودية، وبعد الهزائم والخسائر المتتالية لممثلي إيران في الشام أيقن الشيطان الأكبر أن إيران ستختفي وسيكون هناك شيء واحد وهو تحالف إسلامي قد يفشل كثيراً من الخطط في الشرق الأوسط، وقد يتحكم بكثير من القرارات التي تنزع السلطة المطلقة عنه، فعمد أن لا يكون حجر عثرة أمام الكبوة الإيرانية فقام بضخ الحياة في العصب الإيراني من خلال الإفراج عن الأموال المجمدة، لعل ذلك يخلق التوازن الذي يريده لكن هذا لا يعني أنه يريد أن يصنع شرقًا أوسطيًا إيرانيًا محضًا، بل يريد أن تكون إيران والسعودية على خط واحد متوازٍ لا يتقدم فيه أحد على الآخر. من ينظر إلى العقد الذي أبرم بين إيران والقوى الدولية يجد أن شروط العقد تمنع إيران من صناعة النووي لمدة خمسة عشر عاماً، هذا الوقت كله كفيل بأن يجعلنا إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إن لم أكن مبالغا. إذن ما الذي أصابنا بعد الاتفاق؟ هل هو الإفراج لإيران وعودتها للعالم بعد عزلتها؟ نحن كنّا وما زلنا نقود العالم اقتصادياً، ونحن جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة العالمية، كما أننا نقود هذا اليوم تحالفاً يمثل قوة حقيقية للخارجية السعودية، قادرين على توجيهه أينما أردنا. إذا مم الخوف؟ لا أرى خوفاً في ذلك، فالمسألة برمتها صناعة توازن بين القوى الإقليمية فقط، وأعتقد أننا نرفض ذلك جملة وتفصيلا، لأن طموح قيادتنا أبعد مما يتصوره المتشائمون من هذا الاتفاق. يجب أن نثق بقيادتنا الحكيمة التي أعادت تدفق الحياة عبر الشريان الإسلامي من جديد، وهذا ما يعقد الأمل على صناعة عمق استراتيجي في المنطقة يخلق فرصا لإعطاء مساحة أكبر للتحرك كي نستطيع أن نتحكم بشرقنا الأوسط.