رغم أن عدد المعلمين في العالم يبلغ قرابة 65 مليوناً، ويزيد عددهم في الدولة الواحدة على عدد أفراد الجيش، إلا إننا يجب أن ندرك، ونقر بأن طبقة المعلمين، التي كانت في عهد مضى نخبة المجتمع، قد انتقلت في زمننا الحاضر من صفوف النخبة إلى الجماهير! * مهنة التعليم كانت توصف فيما مضى بمهنة الصفوة، لكن هذا الوصف لم يعد صالحاً، لأن هذه المهنة، وبكل بساطة، لم تعد حكراً على صفوة، يتم اختيارهم من أفراد المجتمع وفق معايير، وفرز دقيقَين. * إن ظروف التوسع التعليمي فرضت فتح أبواب المدرسة للمعلمين الجديرين، وغير الجديرين، للفخورين بمهنة التعليم، والمتوارين عن الإفصاح بأنهم معلمون! * القول بأن المعلمين، بصفتهم يمثلون فئة مهنية، لم يعد من المناسب وصفهم بالنخبة لا يعني ذلك ازدراءهم، أو التقليل من الدور العظيم الموكلين به، بقدر ما يعني أنه من الواجب أن نتفهم أن مهنة التعليم أصبحت مختلفة إلى درجة كبيرة جداً عما كانت عليه قبل عشرات السنين. * المعلم، الذي كان يمثل قديماً البوابة الوحيدة التي من خلالها يمكن للأسرة أن تضمن لابنها مستقبلاً واعداً، فيتلمسون رضاه، ويهابونه، ويقفون مستسلمين أمام سلطته الاعتبارية، التي فرضتها محدودية المعرفة آنذاك، وانعدام وسائل الاتصال بالعالم الخارجي، ذلك المعلم بتلك السلطة الاعتبارية لم يعد له، ولن يكون له وجود في هذا العصر. * ليس وحده المعلم الذي يفقد هيبته، وسلطته الاعتبارية في هذا العصر، فعصرنا «عصر ما بعد العولمة»، استطاع أن يُجهز على مكانة السلطات الأبوية بكافة صورها «الأب، المعلم، رجل الدين، رجل الأمن، العالِم، المدير، الحاكم..». * المطالبة بعودة مكانة المعلم تشبه المطالبة بعودة الزمن إلى ما قبل عصر العولمة.. كلا الطلبين بعيدا المنال، ما يؤكد أن هناك شريحة ليست بالقليلة من المعلمين يعجزون عن إدراك طبيعة العصر، الذي يعيشون فيه، فهم يبحثون عن تدريس طلاب لم يعد لهم وجود، ويبحثون عن جيل أصبح مما مضى، ويعيشون بخيالاتهم في عصر غير قائم. * لا يمكن للعصا، أو التعاميم، أو آلاف اللوائح والأنظمة، أن تعيد للمعلم تلك السلطة الاعتبارية التي كان يحظى بها قبل عصر العولمة. * المعلم في هذا العصر لم يعد مطالباً بأن يزوّد الطلاب بالمعرفة فحسب، حيث تشير إحصائية «دانيسلون» إلى أن المعلم يصنع أكثر من ثلاثة آلاف قرار في اليوم الواحد! * هذا يتطلب من المعلم أن يكتسب عشرات المهارات، وأن يلمّ بعدد من الأدوار، والعلوم، وأن يجمع بين مهارات القيادة، والتحفيز، وإدارة الأعمال، والعلاقات الإنسانية، ومهارات الحوار، وفنون الإلقاء، والتمثيل، والقدرة على السيطرة على أصحاب الطباع الشرسة، ومهارات التعامل مع الأطفال والمراهقين، ناهيك عن مستجدات التقنية، ووسائل الاتصال الحديثة. * كل هذا يجعل الحمل، والضغط على المعلم كبيرَين، وفي هذه الحالة يكون من المهم جداً أن يفكر المعلم بطريقة إيجابية. * التفكير الإيجابي هو الوسيلة، والمخرج الوحيد للمعلم اليوم، فلارسائل الاستجداء، ولا المرثيات الرنانة، ولا الإمعان في الشكوى والتحسر، يمكن أن تقدم أي حل، على العكس تماماً، سيكون هذا الأمر بمنزلة الضربة القاضية لما تبقَّى من صورة المعلم الاعتبارية. * التفكير بطريقة إيجابية سيجعل المعلم يقف على إيجابيات العمل التعليمي، وهي كثيرة جداً، حيث يعد تنوير الأجيال، والمساهمة في نماء مهاراتهم، من أرقى، وأعظم هذه الإيجابيات، فالمعلمون، والمعلمات يقفون على نهر جارٍ من الحسنات، فمنهم مَنْ يسبح فيه، ومنهم مَنْ يغرف بيديه، ومنهم ذلك المحروم، الذي يتعلل ببرودة الماء، والخوف من تبلل ملابسه. * التفكير الإيجابي سيساعد المعلم على استثمار مقومات النجاح التي وفرها هذا العصر، الذي سلبه هيبته، وسلطته، لكنه أمده بالمعرفة في كل ما يخطر على باله، وسهّل له الوصول إليها دون أدنى مشقة، أو جهد، وفي وقت قياسي يستطيع أن يلمّ بكافة المهارات، والمستجدات في التعليم، والتدريس من خلال تصفح الإنترنت، واستخدام وسائل الاتصال المتنوعة. * التفكير الإيجابي هو الوسيلة الوحيدة، والقادرة على مجابهة الثقافة السلبية، التي بدأت تنتشر في الأوساط التعليمية، وشلَّت قدرة كثير من المعلمين على تقديم الأداء الجيد، على الرغم من أن واقع كثير منهم من حيث الأنصبة التدريسية، والبيئة التعليمية، لا تشوبه شائبة، لكنهم توغلوا في وحل السلبية، والتشاؤم حتى عجزوا عن تأدية دورهم بالشكل المأمول. * أخي المعلم، أختي المعلمة: لا يوجد على أرض الواقع أمر جلل يمنعكم من النجاح والإتقان، أنتم أقوى من كل المعوقات التي لا يخلو منها عمل، انفضوا غبار التفكير السلبي، وأزيحوا عنكم قيود الاستسلام، واستثمروا كل يوم يهبكم الله إياه في العمل التعليمي، علها تكون سقيا خير، تثير السعادة في نفوسكم.