بعد مسيرة حافلة بالعمل والمثابرة وتولي المسؤوليات الجسام لصالح الأمة العربية والإسلامية، لاقى الأمير سعود الفيصل ربه اليوم راضيا مرضيا، وقد خدم بلاده في ميدان هو من أكبر وأعظم ميادين العزة والشرف والكرامة، فإن بعض الذين يصفون تقلده وزارة الخارجية السعودية على أنها الأطول زمنا، إلا أن الحقيقة التي لا يدركها بعضهم هي أن العراقة لا تأتي بين يوم وليلة، وأن التميز والتفرد لا يأتي بمحض الصدفة، فإن الفقيد الراحل الأمير سعود الفيصل قد أوجد للمملكة العربية السعودية دبلوماسية عريقة اشتهرت في كل بلاد العالم بالحكمة والكلمة الحسنة وتبادل المصالح وفق المعطيات الإنسانية التي تخدم الشعوب وتؤسس لعلاقات المحبة والتقدير، فقد حفلت الدبلوماسية السعودية على طول الوقت بالتقدير والاحترام من الأعداء قبل الأصدقاء والأشقاء، لأنها تنطلق من مبدأ التعاون والإخاء على نهج الدين القويم. إن رحيل الأمير سعود الفيصل فيه كثير من الذي يمكن أن يقال خاصة في سيرته العطرة، وقد ترك إرثا ضخما من الإنجازات ليس في مجال الدبلوماسية فحسب بل في سائر المجالات، وما الدبلوماسية إلا من تفتح الأبواب للتعاون بين الدول في المجالات الاقتصادية والتنموية وعلاقات تبادل المصالح في كثير من الأشياء التي تكمل ما نقص من موارد للدول، خاصة في المسائل التي تتعلق بالصناعة والإنتاج، فإن فقيدنا العزيز قد أدى أمانة كبرى وأنه قد تحمل مسؤولية عظيمة تنوء بحملها الجبال وفي أوقات عصيبة جدا، شهدنا له فيها بالكفاءة والاقتدار وتجاوزها بنجاح كبير. إن الأمير الفقيد سعود الفيصل لم يكن وزير خارجية مثل كل وزراء الخارجيات في العالم،لأنه ابن ملك عظيم الشأن هو الملك المحبوب فيصل بن عبدالعزيز آل سعود له من المكارم والسجايا ما يفوق الوصف حقيقة وليس إدعاء، عمل لصالح أمته العربية والإسلامية ولم يكن ملكا للسعودية بل كان ملكا لكل العرب والمسلمين في بقاع الأرض ذا شوكة ومنعة وقوة وذكاء لفت إليه الأنظار منذ وقت مبكر، فإن الأمير سعود من ذلك الرجل وقف مع الحق العربي بكل ما يملك من قوة ومن مشاعر، «من شابه أباه فما ظلم» فكان مقداما يثور دائما لحقوق أمته. وبالنسبة لمملكة البحرين التي أعيش فيها منذ سنين طويلة فقد كان للفقيد الراحل دور كبير وتاريخي لا يمكن أن ينسى من ذاكرة أهل البحرين والمقيمين فيها، عندما لعب دورا دبلوماسيا مشهودا أيام الأزمة التي مرت بها البحرين في فبراير2011م، وقد وضع نفسه مكان وزير خارجية مملكة البحرين ونافح عنها ودافع عما اتخذته القيادة فيها من قرارات ولم يقف عند هذا الحد، بل قام بتنوير رصفائه في العالم حول المؤامرة التي تتعرض لها البحرين وتأثيراتها على مستقبل هذا البلد الطيب، وفي هذا الشأن تحدث وزير خارجية البحرين معالي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة قبل شهرين من الآن ل(قناة العربية) قائلا «إن صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل أدى دورا دبلوماسيا عظيما وحكيما وناجحا خلال الفترة التي مرت بها مملكة البحرين في العام 2011، وكان سموه يعتبر في هذه الفترة بمنزلة وزير خارجية مملكة البحرين بالإضافة إلى عمله، في مواقف لن ينساها شعب المملكة ويقدرها بعظيم الإجلال والامتنان، مشيدا بمواقف سموه ودبلوماسيته التي تعد مدرسة نتعلم منها، ورسخت مكانة المملكة العربية السعودية الشقيقة، التي يمكن وصفها بالثابت وما حولها هو المتغير». ويمكننا أن نقيس الدور الذي لعبه الفقيد سعود الفيصل بالنسبة للبحرين مع كل دولة عربية، وقد أدى أدوارا كثيرة مشهودة في قضية فلسطين والاحتلال الإسرائيلي، وقضية دارفور، ووقف مع أهلنا في القارة الإفريقية في كل المواقف الإنسانية وقد كان للمملكة العربية السعودية دور مهم في دعم قضايا البلدان الإفريقية من خلال الدعم المالي والمعنوي لها والمساهمة في مكافحة الفقر والمرض والجهل. وعلى الصعيد العالمي كان الفقيد ذا حنكة وخبرة في العمل الدبلوماسي اتسم فيه بالحكمة الأمر الذي جعله موضع احترام وتقدير، وفي هذا الصدد يذكر الرئيس الروسي الأسبق ميخائيل غورباتشوف بقوله «لو كان لدي رجل كسعود الفيصل، ما تفكك الاتحاد السوفياتي»، فمن يعرف الأمير سعود يُدرك ذكاءه الفائق، ودهاءه الذي يجعل الجالسين حول الطاولة يريدونه أن يقول المزيد، إلا أنه كان يكتفي بالكلام المفيد والمباشر، ومن الجانب الأمريكي يؤكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في تصريحات صحفية سابقة بقوله «ساعد وزير الخارجية سعود الفيصل في توجيه المملكة العربية السعودية في عالم أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى»، وهو كذلك فقد كان الفيصل ربان سفينة العلاقات الخارجية للسعودية، وقد نجح في قيادته لها بتجاوز كل الصعاب بصبر وحنكة. اللهم يا ذا الجلال والإكرام في هذه الأيام المباركة تولّ عبدك سعود الفيصل بالرحمة والمغفرة، وأن تسكنه فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء، وأن تلهم الأسرة السعودية والعربية والخليجية والإسلامية الصبر وحسن العزاء.