أذكر أني كتبت ذات مقالة أن الدين رباني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأن التدين بشري؛ فالتدين بذلك سلوك إنساني يعكس تأويل الإنسان للنص الديني ويتفاعل معه في ضوء فهمه له. ولئن كان الدين واحداً؛ فالتدين متعدد لكونه نتاج التأويل المتأتي من تعدد المفاهيم واختلاف الثقافات، وأمر بدهي أن تجد تفاوتاً بين تدين وتدين، سلوك وسلوك، فهم وآخر، لأن البشر لا يزالون مختلفين ولا مشكلة في ذلك! ولكن المشكلة عندما يتعامل المتدين مع أي نقد للسلوك البشري التديني بهالة القداسة التي ينبغي أن يحاط بها هذا المتدين، وبذلك يضع الدين والمتدين في مرتبة واحدة على حد سواء؛ فيسحب كل نقد للتدين إلى الدين مستثيراً بذلك العواطف الغيورة على الدين؛ وتلك معضلة كبرى لا تسمح بالمراجعة أو التصحيح. ألم يقُل قدوتنا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (هلك المتنطعون)؟! أو ليس التنطع حالة من حالات الفهم والتلقي للنص الديني، ومن ثم ممارسة التدين في ضوء ذلك؟! فما بالنا نثور لأي نقد لسلوكنا التديني ثورة قد تصل بنا إلى تكفير الآخر أو إهدار دمه جازمين بسوء فهمه ومقصده وصحة فهمنا ومقصدنا؟! ألا يُحتمل أن يكون هذا النقد لمن يتمسح بمسوح الدين ادعاء وزيفاً منطلقه التدين الصادق والانتماء للدين؟! ألا يُحتمل أن يكون النقد سبباً في التصحيح والحد من هذه السلوكيات بعد وضعها تحت مجهر النقد؟! فلنتذكر أن ديننا يتسع للاختلاف؛ فإن ضيق الأمر فمن نفوسنا والدين منه براء!