في البداية لا بد لي أن أُعزي الوطن والأمتين العربية والإسلامية، في وفاة أحد قادتها وسياسييها المُحنكين، الذي عمل طوال 40 عاما في خدمة المملكة والعرب والمسلمين، المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل -رحمه الله تعالى-. رحل رجل السياسة الأول دون منازع ومهندس الدبلوماسية السعودية عن عمر يناهز 75عاما، بذل حياته ووقته وجهده في خدمة الوطن، ولإعلاء كلمة التوحيد ومناصرا دائما لخدمة القضية العربية والفلسطينية، حتى أنه قال ذات مرة «المملكة نذرت نفسها لخدمة القضية الفلسطينية»، وقال أيضا «ليس من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها لأنها كيان محتل». رجل يُشعرك بالارتياح والطمأنينة عند العمل معه وفي كل وقت، يستقبلك بحسن خلقه وبشاشته وتواضعه الجم. يقول الدكتور نزار مدني القائم بالأعمال بالنيابة في السفارة السعودية في واشنطن ومدير مكتبه في جدة لاحقاً «في اليوم الأول الذي بدأتُ فيه العمل في المكتب، أُبلغت بأن الوزير يرغب في مقابلتي، شعرتُ في البداية بشيء من الهيبة والرهبة وأنا أدلف بخطى متثاقلة إلى داخل مكتبه، ولكن حُسن الاستقبال والبشاشة والتواضع الجم الذي لمسته من الأمير سعود في بداية المقابلة بدد كثيرا من تلك الرهبة، وحل مكانها شعور خافت في البداية ومتنام بعد ذلك بالاطمئنان والارتياح». كان -رحمه الله تعالى- تتجلى فيه العقلية الاستراتيجية الفذة والفكر التكتيكي الذي يتمتع به، مع ما يترتب على ذلك من وضوح في الرؤية وطموح كبير وقدرة كبيرة على تنفيذ هذا الطموح. قال عنه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول «إن سعود الفيصل يُعادل اللوبي اليهودي»، وقال عنه الرئيس السوفيتي الأسبق ميخائيل جورباتشوف «لو كان لدي رجل كسعود الفيصل لما تفكك الاتحاد السوفيتي». اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبَرَد، ونَقِّهِ من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقِهِ فتنة القبر وعذاب النار.