إحدى نظريات علم النفس القديمة التي كان لها قبول واسع في الأربعينيات الميلادية؛ تؤكد على أن هناك ثلاث حتميات تؤثر على سلوك الفرد سواء كانت هذه الحتميات منفردة أو مجتمعة فإنها تؤثر على طبيعة الإنسان وهي: -1 الحتمية الوراثية: ويقصد بها أن الجينات الوراثية التي تنتقل من الأجداد للأحفاد مسؤولة عن تعاقب السمات والصفات بين الأجيال المتعاقبة. -2 حتمية الجسد والتنشئة: وهي سمات الجسد وظروف التنشئة في الصغر وكيفية تعامل المحيطين بالطفل منذ سنين عمره الأولى. -3 الحتمية البيئية والاجتماعية: وهي مجموع الظروف الزمانية والمكانية والأشخاص المحيطين بالفرد من الأسرة والزوجة والأبناء وزملاء العمل ومدى تأثيرهم على شخصيته. هذه الحتميات الثلاث تقول لنا إننا تحت وطأتها وهي المشكل الرئيس لما نحن عليه من طبائع وسمات وصفات شخصية وأخلاقية. وقد كان أحد علماء النفس اليهود «فيكتور فرانكل» من أشد المؤمنين بهذه الحتميات، ومن الذين تربوا على مبادئ علم النفس الفرويدي. وفي غضون أحداث الحرب العالمية الثانية وما تعرض له اليهود من التعذيب في المعتقلات الألمانية كان فرانكل أحد المعتقلين ومر بتجارب تقشعر منها الأبدان، وكان أبواه وأخوه وزوجته قد لقوا حتفهم نتيجة التعذيب والتعرض لما لا يحصى من امتهان للكرامة. وفي يوم ما أثناء عزله في غرفة ضيقة مجردا من ملابسه؛ بدأ يدرك ما أطلق عليه هو نفسه في وقت لاحق «آخر الحريات الإنسانية داخل النفس البشرية» وهي تلك الحرية التي لا يستطيع سجانوه أن يحرموه منها. إن باستطاعتهم التحكم المطلق في بيئته، ويمكنهم فعل ما يشاؤون في جسده، لكن فيكتور فرانكل كان إنسانا عارفا بذاته، قادرا على أن يطل كمراقب على وضعه وذاته وكان قادرا على تحديد الاستجابة المناسبة لهذه الضغوط القاهرة. في داخله حدد الاستجابة وراح يتخيل وقوفه أمام طلابه وهو يحاضر طلبته بعد إطلاق سراحه حول نظريته الجديدة «آخر الحريات الإنسانية». إنها باختصار استجابتك الداخلية فبإمكانك التفكير كضحية بائسة وبإمكانك التفكير كبطل مقاومة. وقد سبق للرئيس الأمريكي رامسفلد أن قال «لا يمكن لكائن من كان أن يشعرك بالانحطاط من نفسك ما لم تسمح له بذلك». تلك الحرية التي تعلق بها مانديلا في فترات سجنه الطويلة، وتشبثت بها هيلين كيلر مع إعاقاتها المتعددة، وحدد بها العظماء طرق استجاباتهم مع المحن والأزمات المختلفة التي مرت بهم. إنها حرية الإنسان التي تكفل الله أن يجعلها في داخله وبين يديه واختصرت في قوله عز وجل «إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا».