المملكة تدين المحاولات الإسرائيلية المتواصلة لزعزعة أمن واستقرار سوريا والمنطقة    الكشخة النفسية    النقد الأدبي الثقافي بين الثوابت المنهجية والأمانة الفكرية    إسرائيل تستغل الوضع السوري لتنفيذ المخططات التوسعية    مدارس نهج العالمية تطلق مبادرة "نهجنا لمستقبل مشرق" في أجاويد 3 بعسير    20 نقطة للتطوع في مفاضلة فرص المعلمين    رسمياً... إجازة إضافية لطلاب وطالبات ومنسوبي التعليم بمدن جدة ومكة والطائف    الأهلي والقادسية صراع على ذهب السيدات    أخضر الشاطئية يواصل استعداده في بتايا    الاتفاق يتمسك بالشهري بعقد جديد    «أوبك+» تتجه إلى إلغاء تخفيضات الإنتاج الطوعية تدريجيًا بدءًا من أبريل 2025    الأهلي والهلال في الإنماء والفيصل يستقبل النصر    "الأخضر" ينتظر الدعم    «شارع الأعشى» يثير الجدل ويتصدر المشاهدة..    وزير الداخلية يرأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق    تقرير «مؤتمر أجا التقني» على طاولة نائب أمير حائل    سعود بن بندر: المملكة أولت الأيتام عناية خاصة    ضمن مبادرة وزارة البلديات والإسكان    تنامي طلبات نزلاء فنادق مكة على «الأكلات الشعبية» يعزز توظيف السعوديات    محافظ الطوال يشارك في الإفطار الرمضاني الجماعي للمحافظة    مشروع ولي العهد يُجدّد مسجد العباسة بجازان    مشروع «تعظيم البلد الحرام».. 300 ساعة تطوعية لخدمة ضيوف الرحمن    الشؤون الإسلامية: يمنع التسول داخل المساجد وساحاتها    مباحثات هاتفية بين ترامب وبوتين لأكثر من ساعتين    السعودية للشحن: شحنات التمور ارتفعت 64 % وننقلها إلى أكثر من 45 وجهة عالمية    ارتفاع عدد الشهداء في غزة إلى 419 شهيدًا والجرحى إلى 528    ‏سمو ولي العهد‬⁩ يرأس جلسة مجلس الوزراء‬⁩    سمو ولي العهد يُطلِق خريطة "العمارة السعودية" لتعزيز الهوية العمرانية في المملكة    ديوانية غرفة تبوك الرمضانية بوابة لتعزيز الشراكات وترسيخ لثقافة المسؤولية الاجتماعية    تغير الدوام حل للغياب الجماعي    استمرار هطول الأمطار الرعدية وزخات البرد على عدة مناطق في المملكة    مستشفى خميس مشيط العام يُنفّذ فعالية "الشهر العالمي للتغذية"    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لمكافحة السمنة"    أكد أن نظام الإعلام الجديد يحفز الاستثمارات.. الدوسري: لا يقلقني موت الصحافة الورقية.. يقلقني موت الصحفي    الأردن يدعو مواطني ومقيمي دول مجلس التعاون الخليجي لاكتشاف روائع المواقع التراثية المصنّفة ضمن قائمة اليونسكو    الاتحاد السعودي للهجن يختتم دورة تدريبية لمنسوبيه    تأمينا لخطوط الملاحة البحرية وحركة التجارة العالمية.. أمريكا تواصل ضرباتها لإفقاد الحوثيين القدرة على استهداف السفن    الاحتلال الإسرائيلي يواصل الاقتحامات والاعتداءات وإرهاب السكان.. 45 ألف نازح في جنين وطولكرم بالضفة الغربية    230 مليون سهم تداولات السوق السعودي    الحج لضيوف الرحمن: تجنبوا تحويل الأموال إلى جهات مجهولة    جهاز داخل الرحم (2)    الأمير سعود بن نهار يستقبل مدير صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف"    تكفينا جنة الأعرابي    العتودي مساعدًا لرئيس بلدية بيش    8 خدمات نوعية للقطاع الوقفي    مسجد "عِتبان بن مالك الأنصاري" مَعْلمٌ تاريخي يرتبط بالسيرة النبوية في المدينة المنورة    الموهبة رائد عسيري: الصدفة قادتني إلى النجومية    أمسية شعرية ضمن أهلا رمضان    تطبيق العِمَارَة السعودية على رخص البناء الجديدة    78 مليونا لمستفيدي صندوق النفقة    تتبع وإعادة تدوير لوقف هدر الأدوية    صقور نجد يتوج بكأس بطولة الوسطى للهوكي ويحصد الميداليات الذهبية    العلم الذي لا يُنَكّس    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية يتفقّد قوات الأفواج بمنطقة نجران    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الحرب على الدين»
نشر في الشرق يوم 23 - 02 - 2012

يطلق بعض “الدعاة” و”الوعاظ” و”المدَّعين” صيحات النذير من أن هناك خططا يُدبِّرها “العلمانيون” و”الليبراليون” السعوديون للحرب على الإسلام. ومن الغريب أن تصدر هذه الاتهامات الحمقاء في المملكة العربية السعودية -مهبط الوحي التي يدين مواطنوها جميعا بالإسلام، ويمارسون شعائره، ويتقيدون بتعاليمه بشكل يكاد يفوق ما نجده في كثير من البلاد الإسلامية-.
فهل هذه الدعوى صحيحة؟ وهل توجد، حقا، “فِرَق” سرية تعمل في الخفاء على هذا المخطط الشرير لمحاربة الإسلام في عقر داره؟ وهل بلغت الغفلة بالناس إلى حد أن يجهل أكثرهم في هذه البلاد المسلمة هذا التدبير “الشيطاني” ولا يفطن له إلا قلة من “الوعاظ” و”الدعاة” و”المدَّعين”؟
والغرض من هذه الادعاءات واضح؛ إذ يقصد بها بث الرعب في قلوب الناس لتسهل الهيمنة عليهم، ولتكثير العدد بهم لأغراض سياسية. وهذا ما تبينه المقارنة بالظاهرة نفسها في بريطانيا والولايات المتحدة مثلا، اللتين يستخدم فيهما هذا التخويف نفسه لأغراض سياسية.
فقد نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا بعنوان: “هل الدين مهدَّد فعلا؟” ( 14/ 2/ 2012) كتبه جوليان بيجيني يقول فيه إن المتدينين يزعمون أن “العلمانية أصبحت قوة عدوانية وغير متسامحة في بريطانيا”. ويتساءل عن إن كان ذلك صحيحا. ثم يورد أمثلة لصيحات الفزع التي يصرخ بها بعض السياسيين وبعض الزعماء الدينيين البريطانيين تنادي بالويل والثبور من تسلط “العلمانية” على المجال العام.
فتتخوف رئيسة حزب المحافظين، الليدي وارسي، من أن “العلمانية المتطرفة تسيطر على مجتمعنا”، وتزعم أن العلمانية “في جوهرها وفي غرائزها غير متسامحة بشكل عميق”، و”تتصف بخصائص مماثلة لخصائص الأنظمة الشمولية”.
وترى وارسي أن سيطرة العلمانية تتمثل في أنه “لا يمكن إظهار الإشارات التي تحمل رموزا دينية أو ارتدائها في المباني الحكومية؛ وحين لا تموِّل الحكوماتُ المدارسَ الدينية؛ وحيث يُنحّى الدين، ويهمَّش، ويقلل من شأنه في الحياة العامة”.
ويكرر رئيس حزب العمال، ديفيد لامي، الرسالةَ نفسها فيهاجم “تلك العلمانية العدوانية التي تحجب قدرة المتدينين على العيش بحسب ما يعتقدونه”. وذهبت الليدي وارسي إلى الفاتيكان لنقل همومها إلى البابا الذي أظهر في زيارته لبريطانيا سنة 2010م معارضته ل”الأشكال العدوانية من العلمانية” مشبِّها لها بشرور النازية زاعما أن “طرد الرب والدين والفضيلة من الحياة العامة يقود في نهاية الأمر إلى رؤية مبتورة للإنسان والمجتمع”.
ويأتي راعي الكنيسة الكاثوليكية في اسكوتلاندا، كاردينال كيث أوبراين، ثالثا في تحذيره من “العلمانية العدوانية” التي “تحاول القضاء على تراثنا المسيحي وثقافتنا وتطرد الرب من الحياة العامة”. ويختم بيجيني مقاله بالقول “إن قائمة الذين قالوا أشياء مشابهة لتلك التحذيرات طويلة إلى ما لا نهاية”.
أما في الولايات المتحدة فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست (15/2/2012م) مقالا بعنوان: “الادعاء بشن حرب على الدين” Drumming up a phony war on religion بقلم كاتب الرأي المعروف فيها، يوجين روبنسون، علق فيه على غضب بعض الكاثوليك الأمريكيين من أحد المشاهد التي أداها أحد الفنانين. إذ اتهموه بالتحيز ضد الكاثوليك، وصنفوه بأنه “محارب عدو” في “معركة ضد الدين” تشنها “النخبة العلمانية”، التي يُقصد بها المنتسبون إلى الحزب الديموقراطي.
ويرى روبنسون أن هؤلاء المخوِّفين من سيطرة “العلمانيين” “ليس لديهم قضية محددة، لذلك يلجؤون إلى استخدام الترويع” لأغراض سياسية وحزبية.
والمفارقة أن يصدر هذا التباكي على الدين عن رعاة الكنيسة الكاثوليكية التي أدين مئات القسس فيها في السنوات القليلة الماضية -في الولايات المتحدة وفي غيرها- بآلاف الجرائم المنافية للأخلاق، ومن أقبحها جرائم التعديات الجنسية على الأطفال من رواد كنائسهم. فأي حرص على الدين مع هذه الانتهاكات غير الأخلاقية؟
وقد استغل المترشحون الجمهوريون للفوز بترشيح حزبهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية هذا الموضوع استغلالا كبيرا. وهم يصبون اتهاماتهم على رأس الرئيس أوباما، المنافس لهم في هذا السباق، على الرغم من ذهابه إلى الكنيسة صباح كلّ أحد للاستماع إلى المواعظ، واستشهاده كثيرا بمقاطع من الإنجيل لتسويغ برامجه الداعمة للفقراء والنساء والعدالة الاجتماعية والاقتصادية.
فيَعِد ميت رومني، المترشح الجمهوري للسباق على منصب الرئاسة، بأنه سيلغي، إن انتُخب، القوانينَ التي أصدرها أوباما كلها “التي تهاجم حريتنا الدينية”. أما نوت جينجرش، المترشح الجمهوري الآخر، فيقول إن أوباما يخطط ل”شن هجوم” على الكنيسة الكاثوليكية إن أعيد انتخابه”. وينبغي ألا يغيب عن الذهن أن جنجريش هذا معروف بمخالفاته المتكررة لكثير من تعاليم المسيحية، ومنها زواجه وطلاقه خمس مرات مما يعد خروجا على التعاليم المسيحية.
أما المترشح الجمهوري الثالث، ريك سانتوروم، فيقول إن “التقدميين يأخذون الإيمان ويسحقونه”. ويقول: “حين نهمِّش الإيمان في أمريكا، وحين نزيل أساس الحقوق التي أعطانا الرب إياها، فلن يبقى لنا إلا الثورة الفرنسية”. وهي التي أعطت الحقوق للمواطن، بدلا من الرب، لكنها انتهت بسبب ذلك إلى استخدام المقصلة في قتل الناس، محذرا بأنه “إن اتبعنا طريق الرئيس أوباما وعدائه الواضح للإيمان في أمريكا فإننا سننتهي إلى ذلك المصير”.
وتأتي هذه الصيحات التحذيرية لأغراض سياسية في المقام الأول، ويكذِّبها الواقع في أمريكا وبريطانيا اللتين تثار فيهما هذه الصيحات. ذلك أن الممارسة الدينية في الولايات المتحدة أعلى من أي بلد آخر من البلدان الصناعية الكبرى. ويعود الفضل في ذلك، كما يرى روبنسون، إلى المثل “العلمانية” التي أكدها الدستور الأمريكي بفصله الجذري بين الكنيسة والسياسة.
كما يرى جوليان بيجيني، كاتب مقال الجارديان، أن العلمانية هي التي أسهمت في سيادة السلام بين أتباع الديانات والمذاهب المختلفة في بريطانيا. وإذا كانت هناك بعض الأخطاء فمصدرها عدم تنفيذ المثل العلمانية بحذافيرها.
والنتيجة الواضحة من هذه المقارنة أن صيحات التخويف من خطر “العلمانيين” و”الليبراليين” ليست مقصورة على مجتمعنا. وهي ليست صحيحة في مجتمعنا مثلما أنها ليست صحيحة، مثلا، في البلدين الغربيين اللذين يثيرها فيهما “المحافظون” والطامحون السياسييون لأغراض سياسية محضة. وهذا هو الهدف من هذه الصيحات في مجتمعنا كذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.