لا شك أن قصر الإليزيه في العاصمة الفرنسية باريس قد شهد على الحدث التاريخي الكبير أمس الأول عندما وقعت السعودية وفرنسا على 10 اتفاقيات عسكرية ونووية بقيمة 12 مليار يورو، لشراء 23 مروحية عسكرية و30 طائرة مدنية، وبناء مفاعلين نوويين، وذلك ضمن برنامج زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى فرنسا في إطار التوجه الجديد للعلاقات الخارجية السعودية في العهد الجديد الذي تشهده السعودية. لكن الشاهد في التوجه الجديد للدبلوماسية الاقتصادية ذات الأبعاد الاستراتيجية للمملكة، الذي بدأ بتوقيع عدد من الاتفاقيات مع روسيا الاتحادية ثم مع فرنسا قد أكد على حرص القيادة السعودية الشابة على بناء ومد الجسور القوية لعلاقات التعاون وتبادل المصالح بعيداً عن الهيمنة والأحادية في توازن وتبادل المصالح، وفي ذات الوقت كشفت السياسة الخارجية الجديدة أن السعودية في هذه المرحلة ترسخ بشكل واسع لجعل الدبلوماسية الاقتصادية مع دول العالم المتقدم هي المحرك الأساس لعجلة التطور في البلاد، وبما يتفق ومصالح المواطنين ورغبتهم في جعل مملكتهم في مصاف الدول المتطورة. إن القيادة السعودية قد أدركت بوضوح شديد أن بلادها أرض الحرمين لها قابلية كبيرة في توطيد علاقاتها الاقتصادية وعلاقات التعاون مع كل المحاور الاستراتيجية في العالم المتقدم، ذلك لأنها تتربع على زعامة العالم الإسلامي، وعلى قيادة الأمة العربية ذات الإمكانات الهائلة والموقع الاستراتيجي الذي يمكنها من إنشاء منظومة اقتصادية قوية وكبيرة لها تأثيرها في العالم، ومن هنا فإن الاستراتيجية الجديدة للدبلوماسية السعودية تضع أمتنا على طريق التطور والاهتمام بالموارد الاقتصادية والبشرية. إن من حسن الصدف أن تتزامن جولات سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع لكل من روسياوفرنسا والتوقيع على اتفاقيات ذات أهمية اقتصادية مع الكشف عن تحقيقات سرية لمكتب المحقق العام بوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) أكّدت صراحة براءة المملكة العربية السعودية من تُهَم التورط في أحداث 11 سبتمبر 2001م الإرهابية التي كانت قد ألصقت كذباً وزوراً بالمملكة التي طالما مدت أياديها البيضاء لبناء جسور المحبة والمودة مع كافة بلاد وشعوب العالم، كما مدت أياديها لمساعدة الشعوب الفقيرة والدول الضعيفة اقتصادياً، وكانت وما زالت رائدة في كافة مجالات العمل الإنساني على المعمورة دون أن تمتن على أحد بذلك، ويعيش بين أراضيها بشر من كافة أنحاء العالم بكل لغاتهم وسحناتهم في سلام ومودة، مما يدل على أن السعودية هي حقاً بلاد الأمن والسلام والتعايش والتسامح. إن توطيد علاقات المملكة العربية السعودية مع فرنسا لها دلالات ذات أهمية كبيرة لأن فرنسا تختلف عن جميع بلاد الاتحاد الأوروبي من حيث ما تقدمه وتشتهر به، فإن العاصمة باريس تعتبر لدى كثير من الناس هي عاصمة الثقافة والأدب والتحضر، وباريس تحتضن أكبر مؤسسة عربية في دول الاتحاد الأوروبي (معهد العالم العربي) الذي يقوم بواجب التعريف بالعالم العربي بثقافته وتقاليده وفنونه ومكوناته، وبعث حركة أبحاث معمقة حول لغته وقيمه الثقافية والروحية، وتشجيع المبادلات والتعاون بين فرنسا والعالم العربي، خاصة في ميادين العلوم والتقنيات، والمعهد يسهم بفاعلية في تنمية العلاقات بين العالم العربي وأوروبا، ومعهد العالم العربي جاء ثمرة تعاون بين فرنسا واثنين وعشرين بلداً عربياً، وتعتبر السعودية من أكبر وأكثر الدول الداعمة له. ومن هنا أعتقد أن الانفتاح على العالم المتقدم في هذا الوقت بالذات له كثير من الإيجابيات التي تمس مجالات التطور الاقتصادي وفي جانبه الاستثماري على وجه الخصوص، وجلب التقنيات الحديثة التي تسهم في الزيادة الأفقية والرأسية بالنسبة للإنتاج الصناعي والزراعي، وبما يسهم في تطور التعليم التقني في السعودية وبما يعزز لديها القوة القوة الأمنية والعسكرية التي تحمي المكتسبات التي تحققت فيها في السنوات الأخيرة ويحسب لها ألف حساب.