وهي تكتب روايتها الأولى، هل كانت تعلم أن بطلها سوف يحمل كل تلك الأسماء وكل تلك المسميات، بحيث يجعلنا نَحار في تسميته أو ننسى اسمه في لحظة من لحظات القراءة؟ والسبب هو تركيبة البطل التي تحمل أكثر من دلالة، فهو الأخ والممثل والرجل في كافة مناصبه وألقابه، فعز الدين كان عدة أشخاص في شخص واحد قد أبدعته الكاتبة نسرين بلوط، التي تكتب أول رواية لها صادرة عن دار سماء 2015م في ابتكارها وخلقها وتوظيفها، وكانت تنمو مع تقدم العمل بحيث عندما يصل القارئ إلى مكان معين من الرواية يكون قد استوعب دور عز الدين هنا، الرواية تطرح عدة قضايا تمس المجتمع العربي، فمنذ البداية وبطلها لم يخلق بعد وعلى لسان آيفا ابنة حسن أفندي وهي تشرح معنى الاشتراكية والعدل والمساواة للحبيب عبدالله الفلاح البسيط، الذي لا يعرف شيئا غير الأرض، وهي بنت الغرب المثقفة التي تحمل من الطموح والحلم بالتغيير نظرة مجتمعها للإنسان والحياة التي يعيشها فهي تقول: «ما أحوج تلك النفوس الضعيفة إلى المعرفة» معنى ذلك أن آيفا كانت مدركة ماذا ينقص المجتمع وهو أهم شيء لا يمكن أن ترتفع أي أمة دونه وهي المعرفة، وقد قطعت شوطا كبيرا مع عبد الله لو أن حسن أفندي علم بذلك الحب وأوقف نموه، وتتزوج آيفا من ابن عمها في إيطاليا ويثور عبدالله بعد ما أخبرته أخته صابرة في الحكاية ويذهب إلى الزواج، وفي اعتقادي كان الذهاب لمجرد إخبار القارئ أن الفلاح الذي نشأ على الفطرة استوعب الدرس جيدا، فمن خلال الجدال مع آيفا كان يقول لها وهو مستغرب منها، كيف من تنادي بالاشتراكية تتزوج رجلًا لا يحترم الفلاح وهو إنسان مثله، ولكن هل أحبت آيفا عبدالله؟ ربما كان حبًّا ولكن هي نظرت إلى المجتمع من عين أبيها، الذي نشأ منذ أن كان صغيرا في المجتمع الغربي ولكن لم يقدر أن يثور على قيم مجتمعه، فعلمت أن الطريق طويل عندئذٍ فاستخدمت العقل قبل أن يصل الحب إلى النخاع وعندها لا يعمل العقل بل تعمل العاطفة، بعد ذلك تتزوج صابرة أخت عبدالله وعزة ولبنى، من محمد الإدريسي وتذهب معه إلى القاهرة ويعمل سائق شاحنة، وبعد ذلك يفصل ويعمل بواب عمارة وتنجب منه أربعة أبناء عز الدين، محمود، عيسى، أسماء، وفي إحدى رحلات الصيد يجلب لها نخاع ذئب ويأمر صابرة إطعامه عز الدين لكي يلعب في الدنيا ما تلعب فيه، ويتوفى، ويعمل عز الدين بائع عصائر متجولا وإخوانه يلبون طلبات سكان العمارة، عز الدين كان يملك موهبة التمثيل وقد حصل على دور بسيط في فيلم مع الست زينات، وبعد سنة من ذلك الدور يعود إلى الاتصال بالست، فيصبح نجمًا مشهورًا، ولكن يعتدي على الست، ومن صفات الذئب الخبث والمكر الذي لن يتخلص منه، ويتزوج من آمال فتاة متواضعة الجمال بل تكاد لا تملك منه شيئا، فلقد عرفها منذ سنة وكان يقابلها في شقة صديقه بدر الدين وهي من سعت كي تتزوجه، من خلال آمال تطرح الكاتبة قضية أخرى وهي «السادية» التي لا تحب أن تمارس الحب دونها آمال، وكان يرى فيها عز الدين طريقة رائعة للانتقام منها ومن عبوديتها، ولكن ذلك أصبح طبعا يمارسه مع كل النساء اللائي تعرف عليهن، بعد أن يصبح لعز الدين اسم في المجتمع يصبح أكثر دكتاتورية مع إخوانه ويمنع أي أحد منهم أن يعمل خوف أن يرتبط اسمهم في اسمه وهو الممثل المعروف ما عدا أسماء بسبب ذكائها أكملت تعليمها الجامعي، وعملت في الصحافة بواسطة عز الدين، بعد أن تزوجت رأفت رئيسها في الجريدة، أما عيسى فكان يحاول أن يفر من سيطرة أخيه ويتعلم صنعة يكسب منها، ويتعرف على هدى إنسانة مثقفة يحب من خلالها القراءة والاطلاع ويندفع إلى الثورة ويكون شهيدا، وهنا تشير الكاتبة إلى قضية أخرى وهي الثورة وأصحاب الثورة الحقيقيين التي سرقت منهم وهم الناس البسطاء، فهي تذكر كيف يدخل إلى ساحة الثورة كل اسم مشهور من كتاب وممثلين ورجال إعلام كان هدفهم بريق الثورة، والدليل أن عز الدين عندما أراد أن يمثل دور الشهيد لم ينجح لأنه هو الدور الوحيد الذي لا يعرف الكذب، ونحن في فترة الثورة نقارن بين ثورة يونيو 1952م وتصرف الملك ابن الملك وبين ثورة يناير 2011م والرئيس حسني مبارك، وأن الأولى دون نقطة دم وهي تحسب للملك فاروق، محمود ذلك الإنسان الضعيف الذي زوجه عز الدين وأجبره على العيش مع أمه، تخونه زوجته بسبب فقده الأمل منه بأن يصبح رجلًا ويخرج من سيطرة أخيه وكانت نهايته الانتحار، بعد ذلك دخول الشاعرة سارة بدر حياة عز الدين الذي تعرف عليها عن طريق الفيسبوك، التي أحبته حباً جنون وتقابلت معه في القاهرة، وكانت مدعوة إلى أمسية ثقافية، ولكن تذوق منه أنواع الألم كان يضربها ويتهمها بالسرقة، بل أجبرها أن تسقط الجنين الذي كان هو السبب في وجوده. هنا نستطيع أن نضع مقارنة بسيطة بين آيفا التي حكمت العقل قبل أن يصل الحب إلى النخاع، وبين سارة التي تمكن الحب منها مرتين، الأول مع الشاعر توفيق الذي كان يكبرها بخمس عشرة سنة والثانية مع عز الدين، وكأن الكاتبة تقول لنا: نحن مجتمع عاطفي ولا يحكم العقل، إذا أحببنا نحب بعمق وإذا كرهنا نكره بعمق وهو الفرق بيننا وبين المجتمع الغربي، وهنا يكمن السر في تكرار كلمة النخاع، ثم تطرح التنكر إلى الأسرة الأولى التي كانت السبب في وجودك، وتضرب مثلًا في فريد وإبراهيم شقيقي سارة بدر، كيف أنهما عندما تزوجا ابتعدا عن أمهما، كما ناقشت قيمة الفنان في مجتمعنا بعد أن يكبر، تقل أو تنعدم أدواره وهو مجبر على أن يقبل ذلك، إما بسب العيش أو بسبب حبه للفن، هي عكست نظرة الغرب. فقيمة الفنان تكبر مع تقدمه في العمر بسبب عامل الخبرة، أما الصديق بدر الدين فقد كان يمثل عامل الخير في الرواية، وعماد ذو العينين الفيروزيتين كان صوت الحب صوت الحياة صوت فيروز وما ترمز له فيروز في المجتمع اللبناني والعربي من قيمة الحب والوفاء.