ما إن تلوح الأيام الفضيلة لشهر رمضان المبارك شهر القرآن والرحمة والمغفرة إلا وتبدأ معارك التسوق العائلي على المراكز التجارية، الصغير والكبير كل تسلح بمحفظته وانطلق إلى مراكز التسوق، فتغص الشوارع بالسيارات والأزقة بالمشاة، الصغير والكبير حتى الطفل والشيخ الكبير لبى نداء هوس التسوق المحموم، هوس تسوق وشعور ملح لشراء ما لذ وطاب مما يحتاجون إليه وما لا يحتاجون إليه فعليا لتحقيق سعادة وقتية سرعان ما تنتهي لحظة وضعها في خزانات المطبخ ويعود شعور الأغلبية منهم بالندم على ما اشترى وتبضع معبرين بذلك عن حالة من الإدمان على التسوق انتهت بهم إلى شبكات التجار والنفوس الضعيفة وشراء كل ما يعرض من بضائع «مأكولات ومشروبات» نصفها يحط ركابه في براميل النفايات.. للوهلة الأولى حينما أرى تلك الجيوش الجرارة من البشر هجمت على مراكز التسوق أشعر بأن طبول الحرب العالمية الثالثة «لا قدر الله» قد قرعت وأمسى الجميع بحاجة ماسة وضرورة ملحة لتأمين منازلهم بالمأكولات والمشروبات واللحوم وكل ما ينبت على وجه الأرض من مواد غذائية وكأن البيوت خاوية على عروشها والعالم مقبل على سنين عجاف. تستنفر المراكز التجارية لاستقطاب المستهلكين بإشعال حرب الأسعار، الكل يرمي بعروضه وتخفيضاته أمام المستهلك لتشمل المواد الغذائية ومستلزمات رمضان والأجهزة الكهربائية والألعاب الإلكترونية والملابس وحتى قطع غيار السيارات، وهنا تكمن فنون الدعاية والإعلان لجذب المستهلكين وتنشيط عملية البيع في المتاجر سواء كانت تخفيضات صريحة أو ضمنية وترويج لعروض إعلانية بصورة جذابة ومغرية كشراء عبوة والحصول على عبوة أخرى مجانية، وبين هذه التخفيضات وتلك يخوض المستهلك في سباق مارثوني بين مراكز التسويق. يستمر مسلسل منافسات التجار طيلة الشهر الكريم لاستعراض بضائعهم وأحدث الماركات والتخفيضات والتصفيات وافتتاح المجمعات الجديدة ومهرجانات التسوق والجوائز والإعلانات الجذابة والمثيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعية وبروشورات ومنشورات توزع من خلال نوافذ السيارات عند الإشارات المرورية وتحت أبواب المنازل للتحفيز على الشراء وجذب أكبر عدد من المستهلكين. ما يجب تعلمه في شهر رمضان هو تحسس مشاعر الفقراء والإحساس بمعاناتهم ولكن الواقع يحاكي خلاف ذلك، نحن نسرف ونتباهى بالوجبات وأنواع المأكولات والمشروبات ونزيد من معاناة الفقراء والمساكين بوضع صور موائد الإفطار الدسمة على برامج التواصل الاجتماعي كالإنستجرام وغيره، والمصيبة العظمى حينما تمتلئ براميل النفايات من تلك المأكولات بينما هناك من يصارعون الحياة ويعيشون حالة بؤس وشقاء بعد أن غرس الجوع أنيابه في أحشائهم، نحن بحاجة إلى تنسيق لجمع هذا الفائض من الطعام والهدر الغذائي وتوزيعه على الفقراء والمساكين ممن يعانون من الفاقة وعدم القدرة على شراء الطعام لسد رمقهم وحفظ كرامتهم وآدميتهم.