وصف مختصون استهلاك الأطعمة المبالغ فيه خلال شهر رمضان، بأنه جهل وفشل في إدارة النعمة، مشيرين إلى أن الجوع والعطش في رمضان، يوهمان الإنسان المسرف بأنه قادر على تناول أي كميات من الأطعمة والأشربة وقت الإفطار، ولكنه سرعان ما يصطدم بأن شربة ماء وكسرة خبز كافيتان للقضاء على ما يشعر به. ويحدد المختصون عدة عوامل للإسراف، من أهمها التعليم والأمية والبيئة والسلوك الشخصي، إلى جانب أسباب سيكولوجية واجتماعية، يتحكم «التباهي» في معظمها، مؤكدين أن التوعية مهمة للقضاء على مظاهر الإسراف. وأكد عضو مجلس الشورى الدكتور فهد بن جمعة أن «ثقافة السعوديين نحو الاستهلاك أصبحت تتسم بالاعتدال». وقال: «من الملاحظ أن مشتريات السعوديين أصبحت أقل، وأصبحوا يقارنون بين الأسعار وبين نوعية المنتج، وهذا ينم عن وعي شديد، إذ لم أشاهد المواطنين يشترون كميات هائلة من السلع، وهذا دليل قاطع على الوعي الحاصل، حيث أصبح المستهلك يشتري احتياجاته فقط للأسبوع الأول، لأنه يعلم أن الأسعار ستنخفض تدريجياً». وأضاف: «ترتفع ميزانية هذا الشهر بسبب ارتفاع الاستهلاك الذي يحدث بسبب سيكلوجية الإنسان، التي تدفعه لشراء مزيد من السلع خلال فترة صيامه بسبب الجوع والعطش». وأشار ابن جمعة إلى أن «معدل ارتفاع الاستهلاك في رمضان يصل إلى 30% مقارنة ببقية الشهور الأخرى»، مؤكدًا أن «نسبة وجود الفائض قلت في رمضان، وأصبحت جزءاً من الماضي خاصة في المناطق الرئيسة بسبب ارتفاع ثقافة المستهلك ووعيه». وأضاف: «تتفاوت ثقافة الاستهلاك من منطقة لأخرى تفاوتا كبيرا تبعًا لعوامل المدينة وعوامل شخصية أخرى من أهمها التعليم والثقافة والدخل، ونجد أهالي القرى يعتمدون في الاستهلاك على الكميات الكبيرة التي قد تفوق حاجتهم أحيانًا، نظرًا لابتعادهم عن الخدمات، في حين أن سكان المدينة يشترون بالقطعة والتجزئة، لأنهم قريبون من الخدمات». وأكد الكاتب الاقتصادي فارس التركي أن «ارتفاع الاستهلاك خلال شهر رمضان هو نوع من الحماس مع بداية الشهر». وقال: «الإنسان حينما يكون في مواجهة الجوع يتحمس للشراء بكميات أكثر، وهذا يعود لأسباب نفسية يحدثها الانقطاع عن الأكل». وأضاف: «الغربيون يعتقدون أن السعوديين يخسرون أوزانهم خلال شهر رمضان بسبب الصيام، ولا يعلمون أن العكس هو ما يحدث». وأكد أن «تهافت الناس على شراء زينة رمضان، بالإضافة لكميات الأكل يؤدي إلى زيادة في الطلب، ومن ثم ترتفع الأسعار، ولذلك فإن من المفترض الشراء قبل موسم رمضان بوقت كاف حتى لا يكون المستهلك ضحية للسعر المرتفع وللوقت الضيق وللخيارات الأقل». وأضاف «ارتفاع الاستهلاك غير المدروس بالتأكيد يولد الفائض الذي لا يمكن الاستفادة منه خلال الشهر الفضيل، ويحدث هذا الفائض بسبب العادات والتجمعات الأسرية التي تقتضي علينا الإفطار خارج منازلنا». ونبه الفارس إلى ضرورة تنبيه المستهلك لمسألة العروض التي تشجع على الشراء فوق الحاجة. وقال: «الاستهلاك في رمضان يزداد همجية مع المال والنعم، وهو نوع من التخلف والعبث». وقال الخبير الدكتور إسماعيل الجريوي: «الاستهلاك أصبح ظاهرة غير صحية وغير حضارية، نتجت عن مفهوم خاطىء لرمضان وتصور مغلوط للجوع والعطش، مما جعل الناس يقبلون بغير وعي على الشراء بكثرة، وهذا يخالف المفهوم الصحيح لفكرة الصيام الصحيحة». وقال: «تنمو هذه الظاهرة الاجتماعية بسبب عدم فهم المقصود من الصيام». موضحاً «هدف الصيام تهذيب الإنسان وإبقاؤه بعيدا بعض الوقت عن العادات الغذائية السيئة»، مؤكداً أن «ازدياد الاستهلاك يخالف الفكرة الأساسية للصيام، حيث إن زيادة الاستهلاك تؤثر على الجو الروحي لهذا الشهر». وأضاف الجريوي «الاستهلاك المبالغ فيه، يشير إلى غياب الوعي، ويؤكد مخالفة الإنسان لطبيعته البشرية التي أساسها احترام النعمة والقيمة الغذائية التي أتيحت له وحُرم منها الآخرون»، موضحاً أن «إهدار المال والنعمة والثروات سلوك غير حضاري، ويلزم علينا كأفراد توضيح خطورة هذا الأمر القائم، فهو لا يدعو للفخر والتباهي، ولابد من وجود قناعات فكرية كمرحلة أولى للتغيير بأن ما يحدث هو نوع من أنواع الهمجية مع المال والنعم والعبث والتخلف، كذلك فإن هذه الظاهرة لا تصدر إلا عن أمي وجاهل غير قادر على إدارة الثروات ومصادر البنية التحتية والأمن الغذائي وبذلك فهو إنسان فاشل». وتابع الجريوي «هناك بعض المفارقات التي نجدها في المجتمع، فنلاحظ إمساك بعض الأسر الغنية عن الاستهلاك وإسراف بعضها الآخر من الفقيرة أو المتوسطة، وهذا لأن الطبقة الوسطى والفقيرة عادة يتشبعون بما ليس عندهم وهؤلاء في الغالب يتأثرون ببعض النماذج السيئة من الطبقات العليا». وقال: ظاهرة الإسراف في المأكل أصبحت ظاهرة لافتة، رعاها الإعلام ومركز التموين، ومواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت المشتركين فيها يحرصون على تكبير الموائد وتزيينها من أجل التقاط صورة، فأصبحت ظاهرة مجتمع وأصبح ارتباط رمضان بالأكل ارتباطًا وثيقا، حتى اقترنت بعض الأطعمة والمشروبات بهذا الشهر دون غيره.