تصدَّر الدروز مشهد التطورات السورية مع إعلان فصائل من المعارضة المسلحة السيطرة على الجزء الأكبر من مطار الثعلة العسكري في محافظة السويداء (جنوباً)؛ بالتزامن مع إحصاء مقتل عشرين درزياً على الأقل في ريف إدلب (شمال غرب) بعد اشتباكٍ مع «جبهة النصرة». وتشكل الطائفة الدرزية ما نسبته 3% من سكان سوريا (23 مليوناً) وتُعدّ الغالبية بين سكان السويداء، وينقسم أبناؤها إلى موالين للنظام الذي يقدم نفسه كحامٍ للأقليات ومؤيدين للحراك الثوري وآخرين فضَّلوا البقاء على الحياد. وفي حين دعاهم الزعيم اللبناني الدرزي، وليد جنبلاط إلى «الانضمام للثورة» محمِّلاً بشار الأسد مسؤولية تعرضهم لمخاطر؛ طالب صوت درزي آخر في لبنان، وهو وئام وهاب المقرب من حزب الله، بتسليح الطائفة في مواجهة الثورة. وكانت فصائل من المعارضة المسلحة أعلنت صباح أمس سيطرتها على الجزء الأكبر من مطار الثعلة العسكري أحد أهم المطارات في سوريا. وقال الناطق باسم «الجبهة الجنوبية» التابعة للجيش الحر، عصام الريس، إن «الجبهة تحرِّر المطار.. وجارٍ التمشيط والتعامل مع ما تبقَّى من جنود الأسد». وفيما نفى إعلام النظام «احتلال مجموعات إرهابية» للموقع؛ أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان سيطرة المعارضة على أجزاء منه بعد قصف عنيف متبادل مع القوات الحكومية منذ يوم أمس الأول، مشيراً إلى استمرار المعارك بين الجانبين. وأقرَّ التليفزيون السوري الرسمي بهجوم المعارضة، لكنه تحدث عن «إحباط الجيش هجوماً ثالثاً على محور المطار»، معتبراً أنه «لا صحة إطلاقاً لاحتلال المجموعات الإرهابية له». ووصف محافظ السويداء، التي تخضع لسيطرة الحكومة، عاطف النداف، الحياة في المحافظة ب «طبيعية». ويكتسب «الثعلة» أهمية إستراتيجية في جنوب البلاد، وذكَّر مرصد حقوق الإنسان ب «استخدامه من قِبَل النظام لقصف مناطق عدة في محافظة درعا (جنوب) وريف دمشق». وتضم «الجبهة الجنوبية» مجموعة كتائب معارضة معتدلة؛ منها «الفيلق الأول» وفصائل إسلامية ك «أحرار الشام». ويبلغ تعدادها الإجمالي 35 ألف عنصر، بحسب ناشطين. ويعد هذا التقدم الأول من نوعه للمعارضة داخل السويداء. ونفذت فصائل مسلحة عمليات محدودة في بعض أرياف المحافظة خلال عامي 2013 و2014 دون السيطرة على منطقة محددة. وقبل يومين؛ أعلنت فصائل «الجبهة الجنوبية» سيطرتها على مقر اللواء 52 في درعا. ويبعد مطار الثعلة نحو عشرة كم عن مقر اللواء 52. في سياقٍ متصل؛ أفيد بمقتل عشرين درزياً على الأقل أمس الأول الأربعاء برصاص عناصر من «جبهة النصرة» في محافظة إدلب (شمال غرب) إثر خلاف بين الطرفين تطور إلى إطلاق نار. وهذه هي المرة الأولى التي يُقتَل فيها هذا العدد من المدنيين المنتمين إلى الطائفة في حادثٍ واحد منذ بدء النزاع في سوريا. وتحدَّث شهود عيان عن مصادرة قيادي في «النصرة»، تونسي الجنسية، منزل مواطن درزي في قرية قلب لوزة في منطقة جبل السماق بدعوى موالاة صاحبه للنظام «فوقع تلاسن ثم احتجاج ثم إطلاق نار». وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن القيادي التونسي، الذي يقدم نفسه باسم «السفينة» استقدم رجالاً واتهم سكان القرية الدرزية بالكفر وبدأ إطلاق النار مع مرافقيه عليهم ما تسبب في مقتل عشرين شخصاً بينهم مسنون وطفل واحد على الأقل». وردَّ بعض السكان بالمثل ما تسبب بمقتل ثلاثة عناصر من «النصرة». واعتبرت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» ما حدث «مجزرة»، ورفعت عدد القتلى إلى ثلاثين شخصاً، محمِّلةً «جبهة النصرة» وحركة «أحرار الشام» المسؤولية. ونقلت «سانا» عن مصادر محلية أن بين القتلى خمسة أشخاص من عائلة واحدة وثلاثة رجال دين دروز وامرأتين، مضيفةً «تم نهب وإحراق عشرات المنازل». ووقعت معارك في عام 2013 بين فصائل في المعارضة المسلحة ومجموعات درزية موالية للنظام في ريف السويداء؛ قُتِلَ فيها عددٌ من الدروز. لكن الدروز في قلب لوزة لم يكونوا يحملون السلاح أصلاً، بحسب ناشطين. بدوره؛ دعا وليد جنبلاط عبر تغريدة على موقع «تويتر» إلى التهدئة، مضيفاً «تذكروا أن سياسة بشار الأسد أوصلت سوريا إلى هذه الفوضى». وهناك علاقات وثيقة بين دروز لبنان ودروز سوريا. ويتخذ جنبلاط موقفاً معادياً لنظام الأسد ويطالب أبناء طائفته ب «الانضمام إلى الثورة». في المقابل؛ دان السياسي الدرزي اللبناني المقرب من حزب الله ودمشق، وئام وهاب، بشدة ما سمّاها «المجزرة» التي وقعت في قلب لوزة. ورأى أن الدروز في سوريا باتوا مستهدَفين بدليل ما حصل في إدلب واقتراب المعارك من السويداء. ودعا وهاب، في تصريحاتٍ له، حكومة دمشق إلى تقديم السلاح إلى أهالي السويداء ل «الدفاع عن أنفسهم». وخاطب الأسد قائلاً «نحن بحاجة إلى السلاح، الحرب حربنا وموقعنا الطبيعي إلى جانب محور المقاومة»، قاصداً القوات الحكومية وحزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانبها. في غضون ذلك؛ واصل مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية أمس تقدمهم في اتجاه مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا والتابعة لمحافظة الرقة، معقل تنظيم «داعش» في شمال سوريا، مدعومةً من طيران التحالف الدولي. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ب «تمكن الوحدات الكردية مدعومةً من فصائل سورية مقاتلة من اقتحام بلدة سلوك والسيطرة على القسم الشرقي من البلدة الواقعة في الريف الشمالي الشرقي للرقة». وأشار المرصد، في بريد إلكتروني أمس، إلى «معارك عنيفة تجري في المنطقة بين المقاتلين الأكراد والمتشددين»، مؤكداً تقدم الأكراد بشكلٍ سريع وسيطرتهم على عشرات القرى في المحافظة التي يتفرد «داعش» بالسيطرة عليها منذ أكثر من سنة. وبعد اقتحامهم سلوك؛ بات المقاتلون الأكراد على بعد حوالى عشرين كم شرق معبر تل أبيض الحدودي، الذي يسيطر عليه «داعش» لكنه مغلَق من جهة السلطات التركية. كما أنهم موجودون على بعد عشرة كم من المدينة (التي تحمل اسم المعبر) من ناحية الغرب نظراً لسيطرتهم على ريف مدينة عين العرب التابعة لمحافظة حلب. وأبلغ مدير المرصد، رامي عبدالرحمن عن «خطة للأكراد تقضي بمحاصرة تل أبيض»، ولفت إلى «تقدمهم في عمق أراضي الرقة»، متابِعاً أن «بلدة سلوك طالماً كانت معقلاً للتنظيمات المتطرفة» منذ بدء النزاع قبل أربع سنوات.