أقبل رمضان ومعه تتغير أمور كثيرة، نظام الأكل والنوم والتسوّق والعمل، يصاحبه انشراح في المساء وبعض الضيق في النهار وفيه تكثر لقاءات العائلات والأصدقاء ويحلو فيه السهر والسمر، كما تكثر فيه فترات التعبد وقراءة القرآن، مع صفاء روحي لا نجده في بقية أشهر السنة. سنتحدث هنا عن جانب واحد هو جانب العمل والعمال خلال أيام الصوم، فهناك كثير من أرباب العمل القساة الذين لا يهمهم الإنسان بقدر اهتمامهم بتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح التي تدرها عليه هذه العمالة، فتجد هؤلاء العمال يعملون في بيئة حارة خالية من التكييف، وقد يعملون في هذا الجو الخانق الكئيب أوقاتاً طويلة. وفي علم الإدارة وجد أن هناك علاقة طردية بين تحسين بيئة العمل وزيادة الإنتاج وتحسن نوعيته، وقد أجريت تجربة في أحد المصانع بأن زيدت الإضاءة فزادت إنتاجية العمال، وإني لأتذكر أثناء دراستي في الولاياتالمتحدة أن ورشة السيارات القريبة من منزلي كانت أبوابها الأوتوماتيكية مغلقة وكان الثلج ينزل طوال الوقت، وحين دخولي إليها وجدت المكان دافئاً ومضاءً، وبعد انتهاء العمل في تلك الورشة وخروج العمال يأتي عامل جديد ويبدأ العمل في تنظيف الورشة وتنظيف العدد والأدوات التي اتسخت ثم إعادتها إلى أماكنها، وحين يعود العمال في الصباح يجدون المكان نظيفاً ومرتباً، أما عندنا فالورش مكشوفة في جو كثير الغبار وشديد الحرارة أو شديد البرودة، ولا أهمية تعطى للتكييف أو الإضاءة. هذا الإهمال في تحسين بيئة العمل ينعكس على نفسية العامل، الذي يعاني في الأساس من الغربة والفقر والبعد عن العائلة والأطفال، ولعل وزارة العمل تقوم بجولات مكثفة على تلك الورش والمصانع وتطلع على معاناة هؤلاء العمال، مع تكليف أصحاب تلك المواقع بتنفيذ أعمال محددة واضحة من أجل تهيئة البيئة المناسبة للعمل، وأن تتابع باستمرار ما يتم إنجازه من مراحل التنفيذ. أصحاب هذه الورش والمصانع محتاجون إلى التوعية بأهمية تحسين بيئة العمل من قبل وزارة العمل، لأن ذلك في النهاية سيعود بالفائدة عليهم وسينعكس على نوعية الإنتاج وكميته، كما يجب على وزارة العمل أن تأخذ حقوق الإنسان في الحسبان، وأن تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية حقوق هذه العمالة وتأمين بيئة عمل مريحة في رمضان خاصة، وفي بقية أشهر السنة بصفة عامة.