الليلة التي أنوي في صبيحتها مراجعة إحدى الدوائر الحكومية يصيبني الأرق، وتتواردني الأفكار المتفائلة والمتشائمة، أعشِّم نفسي بأنه ربما تنتهي معاملتي في نفس اليوم، وأفزع عندما تهاجمني ذكريات قديمة بالمآزق والمعارك التي مرت بي، وخضتها في سبيل إنهاء بعض المعاملات الجوهرية في حياتي، وأمنِّيها تارة بأن الفترة التي انصرمت ولم أراجع فيها إحدى الجهات الحكومية قد يكون التطور فتك بتلك الجهة، فأصبحت متقدِّمة!، إنها المعاناة التي يمر بها كل من يهم بزيارة إحدى المصالح الحكومية، ثم يُمسح به البلاط والجدران والمداخل والممرات، حتى إني بسبب ذلك أصبحت من أكسل خلق الله في مراجعة هذه القلاع البيروقراطية، ولا أخفيكم سراً أني لا أجدِّد استمارات سياراتي حتى أبيعها، وأتنازل عن كثير من قيمتها لصالح المشتري بسبب «التطويف» كما يسمونه المرور، فأنا من أجل مرمطة الطواف بالمكاتب والورش والفحص الدوري، أتنازل عن مبالغ ليست يسيرة في سبيل أن يتحمَّل هذه الأعباء غيري، عمالتي المنزلية أيضاً أهم ما أقوم به عند قدومهم هو الفحص الطبي ثم «التطنيش» حتى سفرهم فأتم كافة الإجراءات من ترحيل وغرامة الإقامة وأختصر المهمة، فأكسب الجهد والوقت وأكسّب الدولة مزيداً من المال. وقُدِّر لي مرغماً غير مختار في الأسبوع الماضي أن أراجع الأحوال المدنية لإضافة أحد أبنائي، وكنت متفائلاً جداً لِما سمعت من تقدم في خدمات الأحوال فدلفت إليهم بثوبي فقط، ودون أن أحمل شيئاً على اعتبار أن كل معلوماتي موجودة بالأرشيف الإلكتروني، وابتسمت للموظف وقلت: أريد إضافة مولود وقد دفعت الغرامة عن طريق البنك. قال: هل حجزت موعداً على الإنترنت؟ وأشار إلى الجهة المقابلة من الشارع: هناك محل إنترنت يحجز لك غداً موعداً، ولا تنس إحضار تبليغ الولادة، وصورة من كرت العائلة!