اختتمت الأسبوع الماضي قمة كامب ديفيد بين الرئيس أوباما وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، وصدر بيانها الختامي الذي أكد التزام الولاياتالمتحدة بحماية المصالح المشتركة مع دول الخليج والدفاع عنها ضد أي عدوان خارجي مع التذكير بالموقف الأمريكي خلال حرب تحرير الكويت والتأكيد على ذلك بعبارة «وهو أمر لا يقبل التشكيك». الهدف المعلن للقمة -منذ أن دعا إليها الرئيس أوباما خلال اتصاله بالملك سلمان عشية الاتفاق الإطاري الذي توصلت له مجموعة «5+1» مع إيران بخصوص برنامجها النووي- كان للتشاور حول الاتفاق. للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس «الديمقراطي» أوباما رؤيتها تجاه إيران التي لا تتفق معها الأغلبية «الجمهورية» في الكونجرس، ولدول الخليج رؤيتهم. الواضح أن الرؤيتين أقرب للتضاد منها للتقارب. إيران -المعنية بالقمة- ومن خلال ترسانتها الإعلامية ولوبياتها في الشرق والغرب بشرت بفشل القمة قبل أن تبدأ، وسارعت إلى بث أخبار وروايات سواء على شكل تسريبات منسوبة لمصادر غير معلومة أو تقارير من بعض ما يسمى بمراكز الدراسات. إيران تحاول استخدام أدواتها الإعلامية وأبواقها المنتشرة في كل مكان لإيصال رسائلها ومحاولة التأثير على الرأي العام وهذا في حد ذاته أمر يجب مواجهته. الأمر الآخر هو أن عدداً من الكتاب والمحللين يقعون في فخ مثل هذه التسريبات والمعلومات فيبنون قراءتهم للأحداث عليها، ولا أدل على ذلك ممن أعلن فشل القمة قبل أن تبدأ وربط ذلك بعدم مشاركة الملك سلمان وبعد اختتام القمة تحدث بعض أولئك عن موقف الإدارة الأمريكية الخاذل لأصدقائها، وأن علينا البحث عن تحالفات أخرى! السياسة فن الممكن كما يقال، والواقعية هي اليوم سمة بارزة في السياسة الخارجية السعودية، ورغم أن العلاقات السعودية الأمريكية ليست عابرة أو مؤقتة بل علاقات استراتيجية إلا أن الرؤى مختلفة حول كثير من القضايا. حتى في حال وجود رؤية مشتركة حول قضية معينة فهذا قد يكون لالتقاء المصالح وليس لاتفاق المنطلقات. وخير مثال على ذلك تعاون السعودية مع أمريكا في الحرب السوفييتية الأفغانية، لذا لابد من الأخذ في الاعتبار اختلاف القيم الثقافية والاجتماعية والسياسية بين الدولتين. إذا قيل في الدنيا خليل فقل نعم خليل اسم شخص لا خليل وفاء البيان الختامي للقمة تطرق إلى مواضيع عدة، فعلاوة على تطمينات الولاياتالمتحدة والتزامها بالدفاع عن الخليج كان ملف الحرب على الإرهاب حاضرا رغم التباين «في اليمن ترى أمريكا أن الحوثيين لا يشكلون خطراً وأن الخطر الأكبر تمثله القاعدة». كما ناقشت القمة الأوضاع في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين وليبيا وملفات أخرى. البيان حفل بمفردات وجمل مهمة مثل تأسيس «شراكة استراتيجية جديدة» بين الولاياتالمتحدة ومجلس التعاون و«وضع حلول جماعية للقضايا الإقليمية» و«بناء تفاهمات جديدة» مع التركيز على التعاون العسكري والأمني ومن ذلك تعهد أمريكا بسرعة إمداد دول الخليج بالأسلحة، والتعاون في الأمن البحري والإلكتروني وتطوير منظومات الدفاع الصاروخي والإنذار المبكر. كما تطرق البيان إلى تفعيل وتطوير «منتدى الشراكة الاستراتيجية الأمريكية الخليجية» والاتفاق على عقد القمة القادمة في العام المقبل. البيان الختامي وملاحقه يحتاج إلى تمعن وقراءة متعمقة لفهم بعض مما دار في كامب ديفيد. وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أكد في تصريح نشرته صحيفة الشرق الأوسط يوم الجمعة 26 رجب 1436 ه الموافق 15 مايو 2015م: «إن قمة كامب ديفيد كانت تاريخية وغير مسبوقة» فماذا يعني ذلك؟ وماذا دار في اللقاء الخاص الذي تم بين الرئيس أوباما والأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان وهل هناك تفاهمات سعودية أمريكية جديدة؟ وعلى ماذا يدل احتفاء الإعلام الأمريكي بالقيادات السعودية الشابة؟ إضافة إلى التساؤلات عن زيارة قادمة للملك سلمان لأمريكا. تفاصيل التفاهمات الجديدة قد لا تظهر سريعاً، ولكن كما يشير أحد المحللين: «إذا كان هدف القمة التشاور حول الملف الإيراني فالقمة لم تكن نجاحاً كاملاً ولا فشلاً كاملاً خاصة إذا أخذنا في الاعتبار التباين الواضح حول هذا الملف». ويضيف قائلا: «بالتأكيد هناك أشياء كثيرة في السياسة الأمريكية لا نحبها، ولكن إذا كنا لا نستطيع العيش مع أمريكا فهل نستطيع العيش دونها؟». إلى الماء يسعى من يغص بريقه فقل أين يسعى من يغص بماء