لم يزل الخير باقياً في أمة محمد، عليه الصلاة والسلام، ولم يزل المجتمع معطاءً عطوفاً على فقيره، والدليل المساعدات التي تُقدَّم بشكل يومي من أهل الخير لمَنْ ينشرون مناشداتهم في وسائل التواصل الاجتماعي. لكن كعادة المحتالين، الذين يتلمسون أقصر الطرق لكسب المال غير المشروع، أبوا إلا أن يشوهوا هذا التكافل بين أفراد المجتمع، فدخلوا من هذا الباب بادعاء الحاجة ليكتسبوا المال دون وجه حق، مسيئين بذلك إلى سمعة المحتاجين، ومفهوم التبرع، والعمل الخيري. أذكر قصة قديمة لمقيمَين من جنسية عربية، طافا على قرى نائية، مستغلَّين عادة حسنة اسمها «الرفدة»، وقد تختلف التسمية واستخداماتها بين المناطق، حيث يقوم المحتاج بالطواف على مَنْ يعرف، وربما مَنْ لا يعرف لطلب المعونة عند حاجته الشديدة، فيساهم، بعد الضيافة، كل مَنْ يمر عليه بالمساعدة على قدر استطاعته، إما بالمال، أو بشاة يمكنه بيعها، والاستفادة من ثمنها. عبر مثل هذه الحيل يدخل النصابون، ليهدموا جسور الثقة، والعادات الجميلة، ولذلك فإن أفضل حل هو وجود وسيط بين المتبرع والمحتاج، يتأكد من حالته، وينظم الإنفاق، وهذا الوسيط هو الجمعيات الخيرية المرخصة، التي يجب عليها رفع مستوى الثقة بها من قِبل الناس، بشفافية العمل، والتقارير الإنتاجية، والتواصل المثمر مع المحتاجين والمتبرعين، لسد حاجة المحتاج دون أن يلجأ إلى ذل السؤال، وطمأنة المتبرع على حُسن إنفاق تبرعه.