في اليوم الذي أعلن يوم الثالث من مايو يوماً عالمياً لحرية الصحافة، ارتفعت أصوات كثير من الصحفيين والكُتَّاب، دعوتهم لرفع القيود عن الكلمة والخبر والرأي الجريء، كما طلبت بتوفير بيئة إعلامية تتمتع بالحرية والشفافية، وهذا يدعونا للوقوف أمام هذه الأصوات والنداءات.. موقفين لابد أن يسجلا في تاريخ أول يوم عالمي يحتفل فيها العالم بحرية الصحافة. الرأي الأول متضامن ومؤيد، فذلك مطلب كل صحفي حر شريف، والرأي الآخر مختلف ومعارض لأسباب. ونحن نحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة، ندرك أننا نعيش اليوم عالماً جديداً بكل متغيراته، وهو عالم جديد بثقافته وإعلامه. عالم تبرز فيه (السوشال ميديا) لتأخذ مساحات أوسع وأشمل. إلا أن الواقع يؤكد أن وسائل الإعلام الجديدة لا تنتهك حرية الكلمة ومصداقية الخبر وإنما هي تأخذ في التشويش على صورة شفافيته وأخلاقياته المهنية. لقد أحدثت شبكات التواصل الاجتماعي متغيرات هائلة في حرية الكلمة، وسريان الأفكار، ونشر الأخبار غير الموثقة، وفي ظل المتغيرات، والموجة الجديدة أصبحت الثقافة والمثقف مجرد سلعة يتم تداولها، بغض النظر عن قيمة ما يتم تقديمه للمتلقين، وتكمن خطورة هذا النهج في تأثيراته السريعة، ونشر الأفكار الخطأ التي قد تعارض الأعراف الاجتماعية والمعتقدات الدينية. فبقدر ما يملك المثقف الذي يملك أدوات التعامل مع النشر في الإعلام الجديد، بالقدرة على الإقناع وبساطة اللغة وسهولة الأسلوب الذي يخاطب كل العقول، مع ضمان ما وفرته قنوات الإعلام الجديد من انتشار، لم يعد المثقف، في ظل هذه المعادلة الصعبة، الذي يمسك بزمام الحوار والمبادرة في الإقناع، حيث منح الإعلام الجديد المتلقي التحكم في توجهات المثقفين والتأثير على ميولهم وخياراتهم الفكرية. هي قنوات توفر لهم حرية التعبير والتعليق وإبداء الرأي، كما تبقيهم على تواصل مع المجتمع، والقراء المعجبين بهم، لنقاش ما يُطرح من قضايا يدلون بآرائهم فيها، ويروجون لأفكارهم. ونحن نعلم أن الإعلام كان الجزء الأهم في التأثير على ثورات (الخريف العربي). لذلك ونحن نؤمن بطبيعة التجديد وضرورته، ونحتفي بحرية الكلمة، إلا أنه لا ينفي وجود سلبيات لهذا الإعلام، تشوه صورته. ومن حق المثقفين والمبدعين أن يكونوا ملمين بأدواته وآلياته، ويحق لهم الحضور بشكل جيد في حواراته، ومجاراة كل المتغيرات، لكن علينا بالاعتدال والشفافية التي تلتزم بأخلاقيات شرف المهنة. حدود الحرية، اليوم بلا شك تختلف عنها في الزمن الماضي، حين كان يُضيق على الصحفيين والكتَّاب بالخطوط الحمراء، وملاحظات الرقيب. بحيث لا تتسع لآفاق إبداعٍ حقيقي يتقيد سقف حريته بما تسمح به ملاحظات الرقيب. الحرية بمفهومها المطلق، هي التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه. وتحرير الإنسان من القيود، هو مطلق الحرية، ولكن لابد أن ندرك تماماً أن الحرية، إذا لم تضبط وتقنن.. تنتج الفوضى. نحن مع حرية الرأي والخبر الموثق الصادق الذي لابد أن يتحرر من كل القيود، ولا يد للرقيب عليه، لكن لسنا مع الحرية التي تحوَّل الصحافة إلى فوضى، وإلى أداة لصنع الفوضى.