ما ستطرحه مقالتي هذه عن انعكاسات عاصفة الحزم في المجتمع السعوديِّ ليس نتيجةً لاستفتاءٍ للرأي العام فيه، ولا نتائج لدراسةٍ علميَّة، وإنَّما هي من الملاحظة المقصودة، وهي من أدوات البحث العلميِّ إذا ما جاءتْ من باحثٍ متدرِّبٍ متقنٍ تحديدَ المشكلات البحثيَّة في ميدانه التربويِّ عملاً مهنيّاً مارسه وعايشه أربعة عقود، حيثُ شكَّلتْ الدراساتُ التربويَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة والتاريخيَّة قراءاته وأبحاثه واستندتْ عليها، فلا شكَّ في أنَّ ملاحظته المقصودة المدعَّمة باستقراءاته الميدانيَّة في مجتمعه، ومن قراءاته في مقالات الرأي العام، ومن متابعاته للتحليلات الفكريَّة والسياسيَّة في حوارات القنوات الفضائيَّة ستكون مقاربةً لنتائج الاستفتاءات والدراسات العلميَّة، أو ستكون تمهيداتٍ استقرائيَّةٍ لها تبلور مشكلة بحثيَّة وتحدِّدها لدارسيها تحديداً منهجيّاً. وفي ضوء ذلك ومن منطلق التقارب في المصطلحات والمفاهيم، وهي ما يحرص الباحثون على تحديدها علمياً لينطلقوا منها إلى تشخيصاتهم للواقع وتحليلاتهم في طرح أفكارهم وبلورة آرائهم في عرض قناعاتهم وتعليلاتهم وصياغاتها للتوصُّل إلى نتائجهم البحثيَّة، أقول: في ضوء ذلك وانطلاقاً منه أطرح لقرَّاء صحيفة «الشرق» ما يمكن أن يسهموا ببلورته فكراً ورأياً يتَّصل بموضوع المقالة وبعنوانها وهو «انْعِكَاسَاتُ عَاصِفَةِ الحَزْمِ اجْتِمَاعِيّاً وَثَقَافِيّاً وَسِيَاسِيّاً على المجتمع السعوديِّ»، وذلك بالآتي: * حرَّرتْه من الشعور بالتبعيَّة للدول العظمى سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً تحت مظلَّة الحماية من الأعداء الإقليميِّين المحرَّكين بعداواتٍ وأحقادٍ تاريخيَّة للعرب عامَّة ولدول الخليج خاصَّة. * أشعرتْه بالكرامة وبالعزَّة بعد عقود من الإحباط والشعور بالدونيَّة والهزيمة على الساحة العربيَّة نفسيّاً وسياسيّاً وعسكريّاً. * كشفتْ له العدو الحقيقيَّ أيدلوجيّاً وعسكريّاً وسياسيّاً المتمثِّل بالعدو الصفويِّ، وحفزتْه على مواجهته مباشرة بتجاوز التخوُّفات وردود الفعل، ونبَّهته إلى الطائفيَّة باعتبارها سلاحاً فارسيّاً لتصديع المجتمعات الخليجيَّة والعربيَّة المجاورة. * غيَّرتْ نظرات شريحةً من مواطنيه إلى ما يخصَّص لوزارة الدفاع من الميزانيَّة العامَّة للدولة على مدار عقود سابقة عند إعلانها بسذاجة واستخفاف، أو بدافع الإرجاف والعمالة لدول إقليميَّة، بل وكانوا يعلِّقون على صفقات التسُّلح من طائرات وغيرها على أنَّها لا تعدو أن تكون إتاوات تدفعها دولة نفطيَّة للدول المصنِّعة للسلاح، غيَّرتْ نظراتهم تلك لشعورهم تجاه وطنهم بأنَّ أمنهم واستقرارهم وحفظ الوطن يستحقُّ ما هو أكثر، وأنَّ احتياجاتهم الخدميَّة والتنمويَّة لا يمكن تقديمها بأيِّ حال على أمن الوطن واستقراره، فتغيَّرت مطالباتهم وطروحاتهم لمشكلاتهم الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، فبعض الخدمات والإعانات قد لا تصل إلى المواطنين جميعهم لفسادٍ إداريٍّ وماليٍّ، ولكن الأمن والاستقرار يشعر به كلُّ مواطن ويصل إليه؛ لذلك انكشف المرجفون بظهور اللحمة الوطنيَّة. * أشعرتْ المواطنين بأنَّ وطنهم يقف مواقف النديَّة مع الدول العظمى ولا يجاملها على حساب أمنه واستقراره وسيادته؛ ولذلك اعتزَّ المواطن بهذه المواقف المثمرة دعماً عالميّاً لعاصفة الحزم، وأنتجت أحلافاً حقيقيَّة فاعلة على مستوى العالم العربيِّ والإسلاميِّ، وما قرار مجلس الأمن رقم 2216 إلاَّ نتاج دورٍ سياسيٍّ فاعل للسياسة السعوديَّة في هذا المجال العاكس اعتزازاً وطنيّاً بالوطن وبقياداته السياسيَّة. * كشفتْ أنَّ التقارب الخليجيَّ والعربيَّ تجاوز العبارات الجغرافيَّة الواردة بدراسات علاقات المملكة بالدول العربيَّة لطلَّابها في التعليم العام والمتكرِّرة بعلاقات الدين والدم واللغة والثقافة والجوار والأهداف المصيريَّة المشتركة ليفعِّلها تفعيلاً حقيقيّاً لا باعتبارها عبارات إنشائيَّة لا أكثر؛ وبذلك بلورتْ دورَ مجلس التعاون الخليجيِّ ودور الجامعة العربيَّة كما أظهرتْ ذلك مؤتمراتُها أثناء العاصفة وبعدها، وأعطتْ بعداً وطنيّاً عربيّاً لدرع الخليج العربيِّ وللدفاع العربيِّ المشترك. * أظهرتْ مقارنات حقيقيَّة بين دول الخليج العربيِّ وبين دول الربيع العربيِّ وأخرستْ أبواقاً كانت تحاول استثارة شعوبها ضدَّ حكوماتهم استثارةً طائفيَّة. * حقَّقتْ أكثر من مخرجات التعليم بمختلف مراحله والإعلام بمختلف وسائله في مجال التربية الوطنيَّة وصدق الانتماء الوطنيِّ. * غيَّرتْ في السياسة العالميَّة تجاه دول الخليج العربيِّ ودورها في أمنها واستقرارها وفي مجال السلم العالميِّ بما جعل الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند يشارك في المؤتمر التشاوري الأخير لمجلس التعاون الخليجيِّ، فدعوته من قبل المجلس يعدُّ ذكاءً سياسيّاً جاء قبيل التقاء قادة دول الخليج العربيِّ بالرئيس الأمريكي باراك أوباما بناءً على دعوته لهم ليطلعهم على مفاوضات الدول الستِّ مع إيران بشأن برنامجها النوويِّ، بل وطرحه مشروعه الأخير لتزويد دول الخليج العربيِّ بنظام القبَّة الحديديَّة (منظومة الدفاع الصاروخي). * دفعتْ العرب للنظر إلى مشكلاتهم وقضاياهم بنظرات جادَّة لإنهاء حالات الصراعات الداخليَّة وللحدِّ من الطائفيَّة ومن نفوذ الدول الإقليميَّة في الوطن العربيِّ، بل ولاستعادة الجزر والأقاليم العربيَّة السليبة من الوطن العربيِّ، وأحسب أنَّ مطالبات سكَّانها العرب بالتحرُّر ستلزم الدول العربيَّة بطروحات جادَّة في مجلس الأمن لدعمهم، وأنَّ مجلس الأمن سينظر إلى الكتلة العربيَّة فيه نظرة مختلفة ستثمر تغييراً دوليّاً في المواقف السياسيَّة وفي استخدام حقِّ الفيتو، بل وسيُسْتَشْرَفُ توجُّهٌ عربيٌّ للمطالبة بأن يكونَ للعرب عضويَّةً دائمة في مجلس الأمن.