يتوجه اليوم الثلاثاء أكثر من عشرة ملايين ناخب يمني إلى صناديق الاقتراع في أكثر من خمسة آلاف و600 مركز انتخابي منتشرة في301 دائرة انتخابية موزعة على 21 محافظة يمنية لانتخاب مرشح التوافق الوطني عبد ربه منصور هادي رئيسا جديدا لليمن بموجب اتفاق المبادرة الخليجية التي دخلت باليمن مرحلة جديدة تبدأ من اليوم. ويشارك الطيران الحربي والقوات المسلحة والقوات الأمنية في عملية إدارة الانتخابات والتهيئة لها في مرحلة دقيقة وحساسة لم تشهد اليمن مثل تداعياتها منذ عقود طويلة. وينهي اليمنيون اليوم بانتخابهم رئيسا جديدا ثلث قرن من حكم الرئيس علي عبدالله صالح الذي أطاحت به ثورة شعبية انتهت بتوقيعه في العاصمة السعودية الرياض قبل ثلاثة أشهر على مرسوم إقالته من السلطة قبل عامين من انتهاء ولايته الحالية في 2013. ودعا الرئيس صالح اليمنيين للمشاركة الفاعلة اليوم في انتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية في إطار الانتقال السلمي والسلس للسلطة؛ لإخراج اليمن من الأزمة الخانقة والمريرة التي استمرت عاماً كاملاً ونتج عنها توقف عجلة التنمية، وتعطيل مشروعات البنية التحتية، وإشاعة الخوف والرعب في أوساط المواطنين. وقال صالح: “ها نحن نصل إلى هذه النتيجة بفضل المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية الموقوتة”، وتوجه بالشكر لدول مجلس التعاون الخليجي وفي المقدمة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان، ومملكة البحرين ودولة الكويت على ما أسماه مواقفهم الأخوية الحريصة على اليمن ودعمهم المتواصل لكل قضاياه. وأضاف صالح: “وداعاً للسلطة التي ستظل في نظري ونظر كل العقلاء من أبناء الوطن مغرماً لا مغنماً، وموقعاً لخدمة الشعب والوطن”، وأكد أنه سيظل مواطناً مخلصاً لوطنه وشعبه وسيؤدي واجبه من خلال المؤتمر الشعبي العام. بدوره، قال المرشح التوافقي للرئاسة عبدربه منصور هادي، في خطاب وجهه إلى اليمنيين، إن اليمن مرت بأشهر وصفها بال “ضَنك” لم تُشْهَد من قبل حتى صار أكثر المراقبين تفاؤلا يتوقع أن تصير إلى ما وصلت إليه الصومال تشرذما وتفككا ودمارا، “إلا أنه وبتعاون الأشقاء في دول الخليج وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين أخي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكذا الدول الصديقة ممثلة بالاتحاد الأوربي والولايات المتحدة والصين وروسيا تم حلحلة الأزمة بعد أن توافقت الأطراف جميعها على المخرج الذي قدمته المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية”، حسبما ورد في خطابه. ووضع رئيس اليمن الجديد القضية الجنوبية على سلّم أولوياته، وأوضح أنه بالحوار مع كل الأطراف سيعمل على حل القضية الجنوبية ومختلف القضايا الوطنية، والتي تأتي القضية الجنوبية بتداعياتها وما حدث ويحدث في صعدة وبعض المديريات في مقدمتها، ما يتطلب الوقوف أمامها بقلب مفتوح وتفهم واعٍ وحكيم دون أحكام مسبقة مهما مثَّل ذلك وجعاً للبعض. واعتبر هادي أنه لا يمكن الحديث عن وطن مستقر دون إعادة الحياة لوضعها الطبيعي، وإزالة كافة المظاهر التي تم استحداثها ابتداءً بإنهاء الانقسام الحاصل في الجيش، مرورا بإزالة عناوين التوتر المتمثلة بما تبقى من متاريس، وإخراج المليشيات المسلحة، وإنهاء التقطعات، والمواجهات المسلحة وصولاً إلى التطبيع الكامل في شتى نواحي الحياة. وشدد هادي على ضرورة الاستفادة من المساندة الدولية للقضاء على الإرهاب وتخليص اليمن والمنطقة من شرور الأعمال الإرهابية. «هادي» عامل توازن بين الجميع ويحظى عبد ربه منصور هادي بإجماع كافة القوى السياسية على انتخابه رئيسا لإخراج اليمن من أزمتها في مرحلة انتقالية حددتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بعامين، يتم فيها تحقيق أكبر عملية إصلاح سياسي ستشهدها البلاد. ودعا الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك عبد الوهاب الآنسي إلى الاصطفاف الشامل حول مرشح الوفاق الوطني لرئاسة الجمهورية، وتجنب كل العراقيل التي تحول دون إتاحة الفرصة لكل أبناء اليمن في المشاركة في هذا الاستحقاق الوطني. وأشار الآنسي إلى أن يوم 21 فبراير ستكون له بصمته الواضحة في تاريخ اليمن ليس لسنتين قادمتين فحسب، وإنما سيمتد تأثيره على مستقبل بلدنا بأكمله. وأضاف أن اليمنيين يقفون اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية سيعبرون من خلالها نحو المستقبل عبر بوابة الانتخابات الرئاسية المبكرة، والتي التقت فيها كلمة اليمنيين حول من وصفه بالمناضل عبد ربه منصور ليقود سفينة الوطن في هذه المرحلة المهمة وليتصدر هذه المهمة الوطنية الرائدة في ظل ظروف بالغة الحساسية. وعبر عن ثقته في قدرة هادي على تحمل مسئولية السير باليمن نحو الأمام وذلك لما يمثله من عامل توازن بين الجميع، وما يملكه من كفاءة واقتدار وسيرة نضالية وعلمية متميزة، وما يحظى به من توافق وإجماع، حسب قوله. المؤتمر: المبادرة الخليجية طوق نجاة لكل اليمنيين واعتبر نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام الدكتور عبدالكريم الإرياني أن اليمنيين على وشك الولوج إلى مرحلة جديدة في اليمن الجديد والمتجدد لمواصلة بناءه بكل عزيمة وثبات.وقال إن المرحلة القادمة استثنائية توجب على الجميع التكاتف والتآخي حتى نعبر بوطننا الغالي إلى بر الأمان، وأوضح أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كانت طوق النجاة لكل اليمنيين، مشددا على ضرورة الالتزام بكل بنودها التزاماً صارماً، “فالوطن يمر بمرحلة لا مجال فيها للانجرار وراء خلافات الماضي، ومن الضروري ألا يخرج اليمنيون جميعاً عن القواعد والشروط التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة”، وفق حديثه. وأضاف أن المرحلة القادمة تتطلب إجراء حوار وطني شامل لا يستثني أحداً ولا يُسكت صوت أحد، حوار يتسم بالمسئولية التاريخية والوطنية، يؤدي إلى التوافق على أسس دستورية لإقامة دولة مدنية حديثة لا مركزية بعيداً عن البيروقراطية. الحراك ينقسم حول انتخاب هادي رئيسا غير أن قوى الحراك الجنوبي انقسمت على نفسها بين مؤيد لانتخاب هادي رئيسا لليمن وبين رافض للانتخابات ومطالب بوقفها بالقوة، وذلك هو الفصيل الأكثر تشددا في الحراك، والذي يدعو للانفصال عن الشمال وإعادة دولة الجنوب. ورأى القيادي في الهيئة العليا الوطنية لاستقلال الجنوب جعبل عمر الشعوي، في تصريحات ل “الشرق، أن الانتخاب أوالمقاطعة حق للجميع، وبإمكان أى مواطن أن يقاطع بما لا يضر الآخرين أو يشارك بما لا يمس حرية الآخرين. وأبدى الشعوي قناعته بأن اليمن لن تُبنَى إلا بسواعد أبنائها الخيِّرين الطامحين إلى غد أفضل، وتابع: “ها هو اليوم جاء لنصوت لغد أفضل باختيارنا مرشحا أجمعت عليه كل القوى السياسية المعترف بها قانونا، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ اليمن أن تجتمع المعارضة والسلطة على مرشح واحد”. ووجه حديثه لدعاة المقاطعة قائلا: “أقول لهم الدستور اليمني كفل لكم حق المقاطعة ولم يمنحكم الحق في استخدام العنف الذي ننبذه بكل صوره وأنواعه لتنفيذ رؤيتكم”. من جهته، أكد الناطق الرسمي للحراك الجنوبي عبده المعطري رفض الحراك للانتخابات كون قرار عدم المشاركة اُتُّخِذ في وقت سابق، واعتبر المبادرة الخليجية التفافا على القضية الجنوبية ولا تعني الشعب في الجنوب الذي يبحث عن وطنه المسلوب، وفق وصفه، منذُ حرب 1994. وتعهد، في تصريح ل “الشرق”، أن يظل نضال الحراك الجنوبي سلميا كما بدأ، وأشار إلى رفض الحراك الإرهاب وترويع الآمنين، وما يقدم عليه البعض من أعمال خارجة عن القانون. واستطرد: “لا أتهم أحدا بعينه بقدر ما ألفت إلى أن شباب الحراك الجنوبي واعٍ ومثقف ويدين كل أعمال الفوضى، لأن الجنوب موقع حاضن لكل الأطياف والأجناس والثقافات منذ الأزل”. الداخلية ترفع جاهزيتها من جانبه، كشف وزير الداخلية اللواء الدكتور عبد القادر قحطان أن الخطة الأمنية التي اتخذتها الوزارة لتأمين الانتخابات الرئاسية ترتكز على محورين أساسيين، الأول الإجراء الأمني العادي لكل لجنة ومركز انتخابي، والثانية إجراءات أمنية احترازية في المناطق التي يتوقع فيها حدوث أي طارئ أمني، معربا عن أمله في سير العملية الانتخابية دون أية عوائق تضطر أجهزة الأمن إلى التدخل لمجابهتها. وقدَّر، في مؤتمر صحفي، الموقف الأمني بشكل عام بالمطمئن، مضيفاً أن أجهزة الأمن والجيش على أهبة الاستعداد للقيام بمهامهم لتأمين العملية الانتخابية، ولافتا إلى توجيه الوزارة تعميما للمواطنين بعدم حمل السلاح في يوم الاقتراع بهدف تأمين سير العملية الانتخابية دون أية إشكاليات معيقة. وأردف قائلا: “لا نستبعد حدوث إشكاليات في بعض المراكز الانتخابية لكنها ستكون محدودة”، مشيرا إلى أن اللجان الأمنية ستتعامل بحكمة مع تلك الأحداث حال وقوعها وستستخدم وسائل فض الشغب العادية إن اقتضى الأمر”. واعتبر أن اليمن ستشهد اليوم عرسا ديمقراطيا بعد عام عاصف من المحن والتحديات، مطالبا اليمنيين بجعل 21 فبراير محطة ديمقراطية يفخرون بها، لأنهم بهذا الإنجاز سيحققون الأهداف المنشودة من الانتخابات الرئاسية المبكرة بما يضمن التغلب على التحديات الراهنة والتأسيس للمستقبل الأفضل. وبيَّن أن المبادرة الخليجية كانت المخرج الذي جنح له جميع الفرقاء ووجدوا فيه مخرجا طيبا حقن دماء اليمنيين وجسدوا من خلاله الحكمة اليمنية وحرصهم على إرساء لبنات أساسية للوفاق الوطني. رئيس أركان الجيش اليمني في غرفة عمليات الانتخابات في عدن (الشرق)