يحفل تاريخنا العربي بكثيرٍ من قصص وفاء الرجال للزوجات بعد رحيلهن، ومن أحدثها قصة الشاعر نمر العدوان. وكنت أشك في صحة تلك الروايات، التي أعتبرها ضرباً من الأساطير، فالرجل عادةً يكون أقل وفاء من المرأة، وقد ينساها بعد رحيلها بفترة قصيرة، ويتزوج بأخرى، وهناك كثيرٌ من النكات، والقصص التي تؤكد ذلك، لكن جاري، وصديقي الكاتب والمؤرخ، أبو بكر عبدالله الشمري، غيَّر قناعاتي، وأقنعني بأن الرجال لا يتشابهون في كل شيء، وذلك حين أهداني مسودة لكتابه، الذي لا ينوي نشره، وهو بعنوان «يومان في ذاكرتي»، وهو عبارة عن خواطر أقرب ما تكون إلى الشعر، فالرجل ليس بشاعر، لكن هول ما حدث معه حين فُجع بوفاة زوجته، وحبيبته، غنيمة العلي، وابنه أحمد، رحمهما الله، خلق منه شاعراً فجأة، حيث رثى زوجته بكلام لا يقوله سوى محب لرفيقة دربه، وأم أبنائه. في الكتاب، الذي أغرورقت عيناي بالدموع، وأنا أقرأه، أكثر ممَّا نقلت، يقول: سرى البرق من الفرات مروراً برفحة والنعيرية وصفوى فهيج تذكاري. دياراً أقمنا بها حيناً ثم ارتحلنا إلى الدمام وبها غيّب الموت مستودع أسراري. أقيم بالدار أصبح وأمسي وحيداً رحل الحبيب والأنيس والنديم من الدمام. العين لا تجف من الدمع على غنام والأعمار نسير وفق نظام مرسوم سأبقى أذكر غنام والسنين الخواليا وأصون عهدي لها ما دمت باقيا أكن لها في القلب حباً لا تغير جديد الأيام منه ماضيا هي أم بكر ليست كأي امرأة ستبقى مقلة العين ما دمت رائيا عام مضى على رحيلها وإني لعهد الوفاء يا أم بكر راعيا كذلك قال فيها: ألا ليت أم بكر تعود يوماً نتجاذب أطراف الحديث نتذاكر فيه أيامنا الخوالي ومابذلت لا يغني عنه أي شيء في حياتي ستبقى العين تذرف الدمع انسيابا ما بقي القلب ينبض بالحياة كذلك قال فيها، وفي ابنه الذي توفي بعد وفاتها بأشهر قليلة: ليس للحياة كما أراها يا أم بكر لذة بعد فقدك وابنك أحمد رحيلكما في عام واحد أوهن جسمي وهو بالأمراض مثقل كرهت الحياة بعد فراقكما معا ولا أجد ما أعيش من أجله مقصد أتمنى الرحيل مثلكما لأفرغ نفسي من همومها فقد طال التجلد.