يروي لي أحد المقربين قصة من قصص سفره، حيث إن طبيعة السفر مليئة بالأحداث والمواقف الجميلة الكثيرة. وبينما كنت مع زميلي الذي أخذ يحدثني عن أحداث السفر الجميلة وتلك القصص الرائعة بين جمع من الأحباب والأصدقاء الأجلاء النبلاء، لفت انتباهي قصة جميلة لطيفة من بين تلك القصص، أرى فيها شيئا من «النشامة»، شيئا من شيم الرجال التي قل وندر أن تجدها في موقف كهذا. يقول صاحبي «بينما كنا عائدين من السفر بعد رحلة طويلة وشاقة وصلنا إلى المطار، وبعد أن ركبنا سيارتنا الصغيرة قررنا الذهاب إلى أحد المحلات التجارية، وبينما نحن ننتظر بسيارتنا الصغيرة التي لم تكن تسعنا لكثرة عددنا وكثرة أمتعتنا، قام أحدنا بفتح الباب وفجأة إذ بالباب يرتطم بسيارة جديدة مارة بالطريق الموازي، فبطبيعة الحال نزل صاحبنا المخطئ من السيارة وأبدى أسفه لصاحب السيارة الأخرى، ومن الطبيعي إذا كانت السيارة جديدة فسوف يغضب صاحبها، لكن المفاجأة قابلهم الشاب سائق السيارة المتضررة بصدر رحب وردة فعله تغلبها «قدر الله وماشاء فعل»، فاستسمحوه وقاموا بإخباره بأنهم ذاهبون إلى بلادهم، وأي شيء تريده لإصلاح سيارتك نحن من سنتكفل به، فقام بأخذ أحد أرقام الشباب للاتصال به وإخباره بتكاليف التصليح ومضوا في طريقهم. فكانت ردة فعل الشباب الذين في السيارة أن هذه المشكلة يجب ألا يتحملها شخص واحد فجميعنا أفراد السيارة نتحمل تلك المسؤولية، وسوف نتقاسم المبلغ فيما بيننا لكي نغطي تكاليف التصليح. وبعد أن وصلوا إلى بلدهم وبعد راحة من عناء السفر، في اليوم التالي اتصلوا بصاحب السيارة وطلبوا منه أن يخبرهم بتكاليف السيارة فكانت المفاجأة «روحوا مسامحكم، الله يستر عليكم». استوقفني في هذه القصة موقفان جليلان ينبغي لكل فرد أن يأخذ منهما درسا ومنهاجا في حياته: الأول: ما أجمل هذه الوقفة الصادقة من الزملاء، وما أجمل هؤلاء الأصحاب الذين يكونون معك في السراء والضراء، فإن كنت تملك نوعا من هؤلاء الأصحاب فاحرص ألا تفقدهم وتمسك بهم جيدا فهاهم الأصدقاء الطيبون، هاهم الأصدقاء الناصحون، هاهم من يوفون ويقدرون معنى الأخوة والصداقة. الثاني: ما أعظمه من موقف وما أجلها من كلمات وما أعظمها من حروف التي نطق بها صاحب السيارة (مسامحكم الله يستر عليكم)، تُصدم سيارتك الجديدة وتسامح من صدمك، هذه هي التي يطلق عليها شيم الرجال، هذا هو الموقف النبيل والتصرف الذي حثنا عليه ديننا الحنيف العفو والسماحة. ولو تأمل المسلم عظم الأجر الذي يأتي بسبب هاتين الخصلتين للازمهما ولم يفرط في أجرهما. فالعفو والسماحة هما بابان من أبواب المغفرة ومن أبواب العزة والنصر، لذا قال ربنا تبارك وتعالى (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)، لذا لا شك في أن العفو والسماحة قمة وروعة في التعامل الأخلاقي والأخوة الإنسانية والجذب الإنساني، فهذا الشخص لم ألقه لكنه غمرني تصرفه ومدى سماحته ومدى عفوه ومحبته، ومدى روعة ورقي أخلاقه. يقول الشافعي: «فعاشر بإنصاف وسامح من اعتدى… ولا تلق إلا بالتي هي أحسن». وقال بعض الحكماء عن العفو: إن العفو سمة من سمات الرجال.