ربما توسعت مهام هيئة مكافحة الفساد، فلم يعد عملها مقتصراً على ملاحقة الفاسدين جواً وبراً وبحراً، وحتى في “الجحور” كطريقة “المضببين” في إخراج الضبان بواسطة العادم “الشكمان”! بل البحث عن المتسببين في صناعة “فراعين” الفساد! من “الطبَّالين”، المؤدية مدائحهم لإصابة المسؤول بداء الغرور، فيتمدد حتى يصل حدود الفضاء انتفاخاً، وتتمدد يداه ل”قطف” الثمار التي زرعها مادحوه ظلماً وتدليساً! تبدو مهمة الهيئة – بتحجيم غثاء المدائح – عسيرة، ويلزمها الاستعانة بمتخصصين في اللغة، مهمتهم فرز “المدائحيات” الباطلة، وقراءة ما بين السطور، لأنَّ “المدَّاحين” – وأولهم المتنبي – يسلكون طرقاً ملتوية تحيل المدح هجاءً! وبعضهم تبدو قصيدته مدحاً ناصعاً؛ فإذا قرأتها بال”اتجاه المعاكس” تكشَّفت عن ذمٍّ عابس! وعلى الهيئة مراعاة ذلك لئلا ينقرض “المدح” من ديوان العرب. وأخشى على “المادحين” ما حدث مع خالد بن عبد الله القسري؛ حين مدح الحَجّاج ثم أمره الخليفة سليمان بن عبدالملك بشتمه والبراءة منه! فصعد المنبر وقال: إن إبليس كان يظهر من طاعة الله عز وجل ما كانت الملائكة ترى له به عليهم فضلاً، وكان الله قد علم من غِشِّه ما خفي على الملائكة، فلما أراد الله فضيحته ابتلاه بالسجود لآدم، فظهر لهم ما كان يخفيه عنهم فلعنوه، وإن الحجاج كان يظهر من طاعة أمير المؤمنين ما كنا نرى له به فضلاً، وكأنّ الله قد أطْلَعَ أمير المؤمنين من غله وغشه ما خفي عنا، فلما أراد فضيحته أجرى ذلك على يد أمير المؤمنين، فالعنوه لعنه الله، ثم نزل من على المنبر!