كنت في زيارتين كل زيارة في وادٍ. في عالم ثانٍ، 180 درجة بين المكانين.. سأروي لكم عن هاتين الزيارتين وأترك لكم استخلاص العبر والدروس.. والنتائج وكل ما يحلو لكم.. الزيارة الأولى كانت لنادي الموهوبين في مؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ورجالاته، وجدت شباباً يرفعون الرأس، أستمع إليهم وأشاهد مخترعاتهم التي تدل على الذكاء والدهاء.. وبيت يقف خلفهم بكل جلاء. أسألهم عن بداياتهم عن حياتهم عن أيامهم.. لكل واحد منهم قصة تكتب بماء الذهب.. أقولها بالعامية.. (عساكم ذخر وعساكم على القوة). خرجت منهم وأنا أتمنى تكرار الزيارة، استأذنوني بصورة خاصة للتذكار، وطلبوا أن نغمرهم بالحب والتواصل، ووعدوا بمواصلة المشوار على دروب الاختراع والابتكار وخدمة أنفسهم وأهلهم ووطنهم وأمتهم. الزيارة الثانية كانت لمخيم أعده بعض الشباب الأخيار قرب طعس الثمامة.. تخيلوا الزيارة كانت في الواحدة بعد منتصف الليل، التقيت بشباب يقطعون نياط القلب.. ويشعرونك بالحزن والخيبة. على أني لا أفقد الأمل، ولكل جواد كبوة، لكن هذا الذي شاهدته عيناي.. خرجت والدموع تملأ محاجرها. تركت خلفي شباباً ضيعهم الهوى والنفس والشيطان.. تكالبت عليهم هموم الحياة، وغياب الوالدين والدعاة والناصحين والرفقاء الطيبين، والاحتواء والانتباه والرحمة والشفقة. كأنهم وحوش في أشكالهم ولباسهم وطريقة كلامهم ونظراتهم، أسأل نفسي هل لدى هؤلاء أهل يعرفون أن أبناءهم لا ينامون على أسرّتهم، يخرجون بهذا الشكل دون مراعاة أهلهم أو أحد يتابعهم.. والسؤال يتبادر للذهن هل لديهم أهل؟؟ ليس لديهم سوى العذاب و«الهياط» و«الدشرة» والبحث عن عالم ليس موجوداً. كنت أسألهم عن صحتهم. فأجد عقولاً تسبح في عالم الضياع.. أسأل الله أن يلطف بحالهم وأن يرحم ضعفهم. ويصبّر أهلهم ويعين وطنهم. حسافة أن تضيع زهرة شباب بهذه الصورة المأساوية.. دون أن تجد من يتابع مسلكها. ختاماً.. الأبناء مخزون هائل من الطاقة والعمل والنشاط، وهم بين خيارين ومسارين وإن شئت فقل قصتين في عالم لم يعد خافياً عليهم، كل شيء عندهم وفي متناول أيديهم وفي إمكانهم فعل أي شيء.