مَن مِنَّا يذكر تلك الموجة العاتية التي غزت مجتمعنا في يوم وليلة وأصبحت هي الحديث الشاغل للجميع من مؤيدين ومعارضين ومن مستفيدين وأعداء لها..؟ من منكم مازال يتذكر دورات «البرمجة اللغوية العصبية» التي كانت تقام في كل المدن والقرى تحت عنوان «تطوير الذات» وكيف تلاشت تلك الدورات وبقيت كتبها -التي بيع منها بالملايين- على رفوف المكتبات لا تجد من يسأل عنها الآن..؟ أفكار وتجارب علمية طوَّرها البشر في اجتهاد لجعلها علماً يخدم البشرية مثلها مثل علم النفس، استفاد منها بعض الناس مادياً ومعنوياً وحاربها بعضهم بحجج كثيرة لا مكان هنا لنفيها أو تأكيدها.. أفكار كثيرة غزتنا منها الجيد ومنها السيِّئ.. تحت مفهوم تطوير الذات، آلاف العناوين من كتب ودورات وبرامج نُقلت إلينا عن طريق عرب عاشوا في الغرب أو عن طريق ترجمات مدعومة من دور نشر تهدف إلى الربح المادي.. نحن في العالم العربي عرضة دائماً لما ينتجه الآخرون من فكر ومادة.. ونحن نستقبل كل تلك المنتجات في دور المتلقي دائماً مع الأسف، وهذا المتلقي قد يتعرض سلبياً أو إيجابياً لما يسميه بعضهم الغزو الفكري، وفي نظري أن هذا الغزو لا يشترط فيه أن يكون سيِّئاً دائماً وإلا لأصبحت كل المنتجات التي نستقبلها من الآخرين بما في ذلك العلوم والتكنولوجيا هي منتجات سلبية.. فأهلاً بالغزو المفيد دائماً ولا مرحباً بالسيِّئ.. حارب بعضهم برامج البرمجة اللغوية العصبية حتى خرج تعميم بمنع إقامة دورات لتعليمها دون أن يكون هناك توضيح دقيق للمنع، حيث جاء المنع لأسباب مجهولة وقد كان المنع متسرعاً دون تقصي الحقيقة وربما كان من باب مجاملة بعضهم.. الإنسان عدو ما يجهل ودائماً ما يخاف كثيرون من التغيير ومن الجديد، ولهذا تُحارَب الأفكار والمنتجات الغربية، وقد تحارب تارة باسم العادات وأخرى باسم الدين أو طبيعة المجتمع، ولهذا لا يوجد أفضل من وضع أي نوع من الإنتاج الفكري أو المادي تحت الفحص المجهري علمياً ليُرَى مدى تعارضه الحقيقي مع الدين أو المجتمع أو الصحة… إلخ، وذلك من قبل خبراء محايدين يميلون إلى حب التطور لا البحث عن أسباب واهية فقط لمنع ذلك المنتج الذي قد نأسف مستقبلاً على عدم سماحنا له بالوجود في مجتمعنا، ويجب ألا نجامل على حساب تطور المجتمع أيّاً من المعارضين لما هو جديد لأسباب غير حقيقية وغير علمية.