تجبرك الظروف أحيانا على قراءة كتاب من نسج الخيال، يحمل جل الفصول التي تختصر قصة رجل شاخ وعق به أبناؤه، فَما أن يُسأل من قبل أحد العابرين المشفقين عن حياته، المتأثرين بملامح البؤس التي تعتري تفاصيل وجهه، ماذا أصابك؟ حتى تنهال كلمات العجوز المرهق من عناء الحياة ناصحا ويائسا في آن واحد، حينها يبدأ بسرد فصول حياته ابتداءً من الربيع الذي كان يتلهف به على احتضان الزهور المتفتحة وقطف الثمار اليانعة؛ وانتهاءً بشتاء شديد البرودة يفتق مهجته التي تحترق على جميل ما صنع وقبح ما نال..! حتى انهمرت دموع ذلك العابر وارتفع شهيقه، صمت العجوز ولم يزعزع ذاك الحديث شيئا من كبريائه، ولم ينزف جرحه العميق الذي أمضى عمره يلملم به حتى لا يشفق عليه قريب ولا يرحمه بعيد! ورفع العابر بصره في وجه العجوز المتألم وإذا به يبتسم! تعجب العابر، قائلاً: أتبتسم من وجعك؟ أجابه: لا يابنيّ، ولكن أبتسم سروراً لقلب نقيٍّ شاركني الوجع! نهض العابر واحتضن العجوز بحب وإذا بالعجوز يهتز من شدة البكاء، في تلك اللحظات ارتاح العابر لأن الرجل أخرج وجعه ولم يكمل ما تبقى من عمره بحزن دفين.. وحتى لا نقرأ قصصاً لكتب من حياة الآخرين علينا أن نكون بوالدينا بارين ولهم محبين.