هل التوفير هو البخل؟ هل التبذير هو الكرم؟ ليس أسهل من اتهام إنسان بالبخل! خاصة في المجتمعات الفقيرة. يقول الجاحظ «أبو عثمان» في كتابه البخلاء: «مَنْ لم يحسب الدخل، فقد أضاع الأصل»، «وإن مَنْ لم يعرف للغنى قدراً، فقد أذن بالفقر، وطاب نفساً بالذل…». علينا إذاً أن نميز بين الاعتدال، والاقتصاد، والحرص، وكذلك بين الكرم، والإسراف، والتبذير، فإن كانت أوضاعنا تسمح لنا أن نتصرف بكرم، وأن نجود بما أنعم الله به علينا، فإن أي تطرف، سواء في البخل، أو الشح، أو الإسراف، أو التبذير مرفوض، ومن الطبيعي أن نتسامح مع البخيل، الذي لا يملك سوى حاجته، أو بعضها، ولكننا نرفض حتماً تصرف أولئك الذين يسرفون في إنفاقهم. قال تعالى: «إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين» الإسراء 27، ويقول الشاعر أبو الطيب المتنبي: على قدرِ أهل العزمِ تأتي العزائمُ وتأتي على قدرِ الكرام المكارمُ وتعظم في عينِ الصَغيرِ صِغارها وتصغرُ في عينِ العظيم العظائمُ فإذا عرفنا أن هنالك صعوبات، وعرقاً، ودموعاً، وربما دماء، وشقاء، موزعة على طريق النجاح بشكل مستمر، ودائم، وأن لدينا الإرادة، والعزم لتجاوز تلك الصعوبات في سبيل بلوغ هدفنا، فإننا حينها نكون فعلاً قد بدأنا خطواتنا على الطريق الذي اخترناه، وكلما أبكرنا في القرار، كلما زادت فرصنا في النجاح، هذا النجاح الذي لا يأتي بالأوهام، والآمال، والأمنيات وإنما بالعمل الجاد، كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا أي: يجب أن لا نخشى الموج، والتعب، وأن نحتمل مشقة السفر، وإلا فإننا سنعيش أبد الدهر مع الفقر، كما يقول الشاعر أبو القاسم الشابي ومن يتهيب صعودَ الجبالِ يَعش أبدَ الدهرِ بين الحفرْ أما إذا كنا لا نهتم في هذه الحياة سوى بساعة مرح، وسيجارة، وصحبة سوء، ثم نتمنى الحصول على سيارة فخمة، أو سريعة، دون أي جهد، أو تعب، أو كلفة، ونردد مع الشاعر أحمد شوقي: رمضان ولّى هاتها يا ساقِ مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ فإن العمر قد ينقضي قبل أن يتحقق أي جزء من أحلام الصبا هذه، لأن تحقيق الحلم مرتبط بالإرادة، والرغبة، والمحاولة، ثم المحاولة، ثم المحاولة. صحيح أن على المرء أن يسعى، وليس عليه أن ينجح، ولكن ليس معنى ذلك أن المحاولة هي فرض كفاية، فإذا حاولنا ولم ننجح فسوف نمتنع عن المحاولة ثانية، فهذا أسوأ الحلول، لذلك نقول إن النجاح هو في المثابرة، والطموح هو الأساس، والجرأة هي السلاح، ومَنْ لم يفشل مرة لا يعرف معنى، ولا طعم، ولا لذة النجاح، ولا يتذوق أثر المثابرة. وتذكر دائماً قانون أينشتاين للسخافة، الذي يقول: من السخافة أن تعمل نفس الشيء بنفس الطريقة، وتتوقع نتائج مختلفة. وتذكر الحديث الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.