لدينا قوم يستهلكون كما فظيعا من البذاءة تجري على ألسنتهم جريان اللعاب في الفم حتى تشعر أن أعصابهم تسكت دهرا ثم تقرر في لحظة ما أن تصاب بالعته والخبال. جرب أن تختلف مع أحد ما وتبدي رأيك، جرب أن تختلف في مناحي الأمور القبلية مثلا، أو أن تختلف في ارتداء لباس لم يعتد عليه الوسط الذي تعايشه، جرب أن تفكر بطريقة مغايرة لما نشأت عليه واستعرض أفكارك البديعة على عقول مبطنة بالغبار، أو حتى تختصر على نفسك. جرب أن تفتح مقطعا باليوتيوب ثم اقرأ التعليقات “اليعربية” أسفله واستمتع بالإبداعات اللفظية البذيئة على شكل يا ابن ال...، يا بنت ال... حينها لن تقوى على فعل شيء لأنك ببساطة تريد أن تقوى على قول شيء مضاد، هكذا تتولد الرغبة لدى صغار السن خصوصا في تعلم البذاءة لمواجهة بذاءات مماثلة. أظن أن كل هؤلاء المبدعين بحاجة لأدوية تفيدهم ضد الكوبرولاليا الذي كان مكتشفه الفرنسي (توريت)، ويعد ظاهرة لمتلازمة توريت الوراثية النادرة، وقد وصفها بتقلصات عضلية لدى الشخص مع سيل من الكلام الفاحش، واكتشف أول حالاته لدى سيدة كانت تقوم بحركات غير مقبولة وسباب بذيء جدا. لكن باعتقادي أن المرض الآن متفشٍ ولم يعد نادرا. وعلى أية حال، فأنا لا أقصد الانتقادات التي تحمل سخرية واستهزاء دون الترخص في اللفظ، فهذا فن مندوب إليه وله جمهوره، وكم أحببنا بعض الدعابات من الكتاب الساخرين والنقاد اللاذعين، لكن أن يصير فحشا وكفرا وقذفا؛ فهذه كوبرولاليا حقيقية تستحق التباحث حولها لأن تجاهلها يعني زيادة إنتاج مجتمع مفتون بالبذاءة.