يشير الكثير من الغناء الفولكلوري الكردي إلى أن تاريخ هذا الشعب سفرٌ للبطولات والمقاومات. ويشير أيضاً إلى أن سبب انهيار تلك المقاومات، دوماً، كان الخيانات. وعليه، يمكن أن تكون الخيانة والمقاومة، وجهي التاريخ الكردي المعاصر. الشعب الكردي، شعبٌ خدوم، مطواع، كريم ومناضل، كافح بسخاء من أجل الشعوب العربية والتركية والفارسية. لكنه، قاتل، و «بسخاء»، ضد بعضه بعضاً، خدمة لمصالح بغداد وطهرانوأنقرة ودمشق. وليس ضرباً من التجني القول: إن أكراد العراق، وقادتهم، هم من أسسوا لهذه الخصلة الشائنة في السياسة الكردية، ولوثوا النضال الكردي بهذا الصنيع الأسود منذ 1966، حين انزلق جلال طالباني لحمل سلاح بغداد ضد الملا مصطفى بارزاني، وكرتِ السبحة، فحمل أكراد العراق، سلاح الشاه، ثم سلاح الخميني، ضد أكراد إيران. ثم حملوا سلاح الأتراك ضد حزب العمال الكردستاني. ناهيكم، عن حملهم السلاح ضد بعضهم بعضاً. وإذا جمعت عدد ضحايا الجولات الدموية الكردية - الكردية، في ما بين أكراد العراق أنفسهم، وأكراد الأجزاء الأخرى من كردستان، ستحصل على فاتورة فلكية، تتجاوز مجازر حلبجه والأنفال!. ويقول لك قادة كردستان العراق: «لقد ذهبت صفحة الاقتتال الكردي - الكردي إلى الأبد!. ولن نسمح بقتال الأخوة بين الأكراد»!. فهل هذا صحيح؟!. وهل التطبُع، سيغلب الطبع؟!. وإذا كان فعلاً قادة كردستان العراق قد كفوا عن حمل السلاح ضد بعضهم، وضد إخوانهم في الدول الأخرى، فهل كفُوا أيضاً عن استخدام قضايا بني جلدتهم في تركيا وسورية وإيران، حطباً لمصالحهم مع هذه الدول؟!. انتعاش علاقات أربيل (هولير) مع طهرانوأنقرة، يثلج صدر الأكراد في كلِ مكان. والحق أن أنقرةوطهران ودمشق وبغداد، ينبغي أن يتم تشيجعها في المضي أكثر نحو أربيل، وتطبيع العلاقات معها. ولكن، في الوقت عينه، لا بد من طرح الأسئلة التالية على قادة كردستان العراق، أثناء تعزيز علاقاتهم مع عواصم دول الجوار، الآنفة الذكر. ومن هذه الأسئلة: ما هو المردود وحجم العوائد السياسية على قضايا بني جلدتهم، أثناء توثيق قادة كرد العراق علاقاتهم مع هذه البلدان؟. وإذا لم تكن هنالك عوائد إيجابية، فهل يمكن لأولئك القادة الكرد العراقيين، أن يقدموا الضمانات الكافية، لأكراد تركيا وإيران وسورية، بألا تكون علاقاتهم مع هذه الأنظمة، من كيس بني جلدتهم في هذه الدول؟!. في 16/1/2010، وتحت شعار «دور الإعلام في العلاقات بين تركيا وإقليم كردستان العراق»، عقد مؤتمر في فندق «أليتا وورلد» في حي تاكسيم بإسطنبول، ضم أكثر من 60 صحافياً تركياً وكردياً عراقياً. من الجانب الكردي العراقي، غالبية الحاضرين، كانوا موزعين على الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق، الاتحاد الوطني الكردستاني والديموقراطي الكردستاني. ولا يتسع هذا المقام، لذكر الأسماء والمناصب، ومن الجانب التركي، حضره حشد من الصحافيين المحسوبين على التيار اللبيرالي، اليساري الديموقراطي (جنكيز تشاندار، أورال تشالشلار، محمد ألتان...)، والإسلامي، المحسوب على حزب العدالة والتنمية (ألتان تان، بيجان ماتور...). نظم المؤتمر ملتقى «ميديالوغ»، ولا شك في أن هذه بادرة إيجابية. لكن اللافت، إن صحافيي كرد العراق، لم يتساءلوا: أين هم زملاؤنا من أكراد تركيا؟!. لماذا هم غائبون، أو بالأحرى، مغيبون؟!. اين صحيفة «غونلك»، ووكالة «دجلة» للأنباء، وصحيفة «آزاديا ولات»، ومجلة «وا»، ومجلة «زند»، ومجلة «نوبهار»، والمعهد الكردي في إسطنبول، والمعهد الكردي في دياربكر، واتحاد كتاب وصحافيي جنوب شرقي تركيا...الخ؟!. وإذا كانت هذه المؤسسات الإعلامية والثقافية، غير مرغوب بها، تركياً أقله، كان على أكراد العراق، ومن باب حفظ ماء الوجه، طرح أسمائها للحضور!. وإذا كانت هذه المؤسسات الكردية، التركية، غير مرغوب بها، كردياً عراقياً أيضاً، بداعي الخصومة والمناوأة السياسية والأيديولوجية، أو من باب تجنب إزعاج الأتراك، فأقله، دعوة بعض المنابر الإعلامية الصغيرة، وبعض الصحافيين، المحسوبين على المجاميع السياسية الكردية التركية الصغيرة، المقربة من أحزاب كردستان العراق!. هؤلاء أيضاً، وعلى رغم ولائهم لقادة كردستان العراق، تم استبعادهم!. رؤساء جامعات إقليم كردستان العراق، يزورون جامعات تركيا، ويتفادون التعريج على المؤسسات الثقافية الكردية في تركيا!. وإذا كان سلوك القيادات الكردية العراقية، غير المبرر، يمكن تبريره بعبارات من قبيل: إن «قاموس السياسة، قوامه المصالح وليس المبادئ والأخلاقيات»، فما بال المؤسسات الثقافية والإعلامية والتربوية الكردية العراقية، التي لا تشذ عن سلوك الأحزاب السياسية هناك؟!. يعاني سكان مخيم «أشرف» من استهداف إيراني واضح، إنْ بشكل مباشر، أو عبر أذرعه في حكومة بغداد. حيث يضيق الخناق عليهم، على كل الصعد. وبحسب المعلومات الواردة من المخيم، فإن الوقود لم يدخل إليه منذ ثلاثة أشهر، في هذا الشتاء القاتل. وحكومة الإقليم لا تتعاطى مع محنة سكان مخيم «أشرف» على أنها محنة إنسانية. بل تتجاهل نداءات واستغاثات أهالي المخيم، وتنزلق نحو التشفي والانتقام، على اعتبار أن هؤلاء، كانوا يوماً، على علاقة وطيدة مع نظام صدام!. لكن أحزاب كردستان العراق أيضاً كانت على علاقة وثيقة مع النظام الشاهنشاهي، ثم الخميني، حتى أن علاقتها مع النظام الإيراني السابق والحالي، كانت أقوى من علاقة «مجاهدين خلق» مع النظام العراقي السابق، وكلفت قضية كُرد إيران باهظاً!. سكان مخيم «مقبولي» بالقرب من محافظة دهوك، يقطنه أكراد سوريون، هربوا من ظلم وجور وقمع النظام السوري، بعد انتفاضة 12 آذار (مارس) الكردية سنة 2004، هؤلاء أيضاً يلقون تهميشاً وتجاهلاً!. ولا أحد يسأل: لماذا؟ ولمصحة من؟!. النظام الإيراني، يقوم بإعدام عشرات الشباب الأكراد، المعارضين للنظام، ولا يرف لقادة كردستان العراق جفن!. يتعرض العشرات من المثقفين والحقوقيين والسياسيين الأكراد السوريين للاعتقال والتعذيب، ويُقتل أكثر من 34 مجنداً كردياً في الجيش السوري، منذ 2004 وحتى الآن، ولا يصدر عن قادة كردستان العراق أي موقف جدي وحازم، ولو ببيان أو تصريح!. والحال هذه، وبالعودة إلى السجل الحافل في تعاطي قيادات كرد العراق مع أنقرةوطهران ودمشق، كلما توطدت علاقاتهم مع أنظمة هذه العواصم، لا يبقى على الأكراد، في كل مكان، إلا أن يفرحوا، ويضعوا أيديهم على قلوبهم!. * كاتب كردي سوري