كنّا قد تكلمنا في الجزء الأول من هذا المقال عن بعض العوامل التي تتسبب في اختلاف أو تضارب نتائج الدراسات الطبية، مما قد يحدث بعض اللبس للشخص العادي غير المتخصص فيما يُصدق وما يُكذب. وسنستكمل في هذا المقال ما بدأناه سابقاً. كثيراً ما تطير وسائل الإعلام بأخبار طبية جديدة ناشرةً جزءاً من الحقيقة فقط دون شرح الصورة الكاملة. ومن أمثال هذه الأخبار تلك التي تتكلم عن الأبحاث التي تدرس المؤشرات المعملية لمرض ما، وتتجاهل الإشارة إلى التأثير الكلي على المرض نفسه، ولعل أوضح هذه الدراسات أبحاث الشاي الأخضر وربط تناوله بتخسيس الوزن، حيث وجدت بعض الدراسات أن للشاي الأخضر بعض التأثير الإيجابي في مستويات الدهون في التحاليل المعملية، ولكن عندما تم استعماله في دراسات منهجية ومنضبطة بشروط البحث العلمي الصارمة فإنه حقيقةً لم يتسبب في ذلك النقص الحقيقي، الذي يجب أن ينعكس بصورة إيجابية على صحة القلب، طبعاً هذا لا يلغي فائدة الشاي الأخضر بشكل عام كمادة مضادة للأكسدة، ولكن استعماله للتخسيس لا يعدو أن يكون ضحكاً على العقول، الغرض منه الكسب المادي فحسب. كذلك لا ننسى تأثير عدد المشاركين في الدراسة أو البحث، فكلما قلّ العدد أثّر سلباً أو إيجاباً على نتيجة الدراسة، فإذا ذكرت دراسة ما بأن دواء جديداً تسبب في استجابة 50% من الحالات، فيجب عليك السؤال هل ال 50% تعني شخصين من أصل 4 أشخاص أم 5000 شخص من أصل 10000. إن نتائج بعض الدراسات الطبية الصغيرة لا تدوم طويلاً قبل أن تلغيها الدراسات الأكبر منها، لذلك من الشروط المهمة قبل البدء في أي دراسة جادة تحديد عدد عينة الدراسة المطلوبة بالضبط، وهو ما تقوم به الدراسات الكبيرة، وما تطلبه المجلات الطبية المحترمة قبل قبول نشر هذه الأبحاث. كذلك من المهم أن تعرف أن المجلات الطبية تحرص على نشر الأبحاث ذات النتائج الإيجابية، في حين توضع الدراسات ذات النتائج السلبية في الدرج، وذلك لأنها – في العادة – لا تحمل صخباً علمياً ولا إعلامياً، رغم أنها تعرض جزءاً من الحقيقة التي يجب أن يعرفها الناس. وأخيراً.. من المهم توضيح أن بعض المنتجات أياً كان نوعها: دواء، أو تدخلاً جراحياً أو حتى جهازاً طبياً جديداً- التي يُصوّر بأن لها آثاراّ سحرية على الصحة، يجب ألا ننسى أنه تقف خلفها شركات عملاقة عابرة للقارات، وماكينات إعلانية جبّارة، تريد توزيع منتجها بأي وسيلة، ولعل الأطباء يعرفون ذلك حق المعرفة!. إن وجود نتائج متضاربة لدراسة ما، يعني – بكل بساطة- أننا لم نصل إلى الحقيقة الكاملة بعد، وأن هناك حاجةً لمزيد من العمل والجهد وعمل الدراسات الأكبر قبل أن نصل إلى الحقيقة، كل الحقيقة. وقد تسألني هنا وماذا يجب علي أنا كشخص عادي، لست طبيباً ولا عالماً ولا مختصاً، كيف أفرق بين الغث والسمين وبين الحقيقة والأوهام؟ الحقيقة أن أخذ المعلومات التي تعتمد عليها صحتنا يجب ألا يكون مصدرها قصاصات الجرائد، ولا إعلانات التلفاز، ولا حتى تجربة ابن الجيران. مصدرك الأهم يجب أن يكون طبيبك الحاذق، فهو الأعرف بحالتك، ومن حقك عليه أن يُطلعك على كل الخيارات المتاحة والجديدة في علاجك، مع ذكر ميزات وعيوب كل خيار، حتى تستطيع بناء قرارك عن بصيرة كاملة، ورحم الله الرازي حين قال: ما أقلّ لبث العلة حين يكون الطبيب حاذقاً، والمريض مطيعاً.