يحفل التاريخ البشري بمآسٍ كثيرة، فلا تخلو حقبة من مفاصل الزمن إلا وشهدت انتهاكات فظيعة في حق البشرية، فعلى مر العصور السابقة نقل لنا التاريخ ما يخجل منه وجه الإنسانية، لكن مفصل هذا العصر أتى بأشدها فتكًا. حيثُ تحوّل في هذا الزمن نوع تلك الصراعات. فالمتصارعون خاسرون والكاسب ليس أحد الطرفين، بل هو طرف خارجي ليس له شأن في تلك الصراعات، وما بينهما مظلوم يقتل أو يشرد دون أن يعرف لماذا قتل ولأي سبب شُرّد. وتبدو هذه المقدمة صورة ثلاثية الأبعاد للأزمة السورية التي تراوح مكانها منذُ 4 سنين، فلا النظام كسب ولا المقاومة حققت هدفًا واحدًا، والكاسب هو ذلك الجاثم على صدر الشرق. فاللاجئون والمشردون ضاقت بهم دول العرب والمسلمين، حتى الموتى شحت بقبورهم الأرض. هذه الصورة المكشوفة التي يراها القاصي الداني ولا تخفى على أحد، لكن القضية لها صفحة غيبية طويت في أدراج السياسيين، هذه الصفحة بها سر صمت العالم عن هذه المآسي. إذًا ما الذي تريده تلك الإمبرياليات من دماء الأطفال التي تُنزف كل يوم في أرض الشام، أهي تعشق ذلك اللون الذي حول تلك الجنة إلى جحيم؟ لقد أكلت أفعى الشام البشر والشجر والحجر، والشرق المأفون والغرب الماكر يطبق في صمتٍ رهيب. اتفقوا لكن نظرات أولئك الأطفال الأخيرة التي غيبها الموت سيكون لها أثر يومًا من الأيام. ستنتهي الأزمة قريبًا دون أن يكون لأحد يد في نهايتها، ستنتهي دون تحقيق مكسب لأحد وستكون أرضًا مقطعة الأوصال. وستكون أسوأ ما مرّ على البشرية ليس في عدد ضحاياها ولا في أهداف أطرافها فحسب، بل وفي صمت العالم عن ظالمها ومظلومها.