النكت موجودة ومعروفة في الموروث القديم تستخدمها المجتمعات للترفيه أو نقد شيء من الواقع الذي يعيشونه، وقد حفلت كتب التراث الأدبي بمساحات واسعة من النكتة والفكاهة وخُصصت لها مؤلفات كثيرة منها ما قام به الجاحظ المتوفى سنة « 255 ه» من تأليف كتابه «البخلاء»، وخصص بعض المؤرخين آنذاك أقساماً لها في كتبهم مثل: كتاب «عيون الأخبار» للدينوري المتوفى سنة «276 ه»، وكتاب «الإمتاع والمؤانسة» لأبي حيان التوحيدي، المتوفى سنة «453 ه»، كذلك كتاب «جمع الجواهر في الملح والنوادر» للحصري القيرواني، المتوفى سنة «414 ه»، وغيرها من الكتب التي اهتمت بهذا الجانب. اذاً ما هي النكتة؟ هي: محاولة الترفيه عن النفس بشكل بريء وبعيد عن الاستهزاء بالثوابت وغيرها، ولذلك وجدت النكتة إقبالاً كبيراً من الناس خاصة العامة منهم؛ لأنها تُعد هي المنفس الوحيد لهم من هموم الدنيا وتعبها، وتكثر النكت لدى المجموعات التي لا تعمل بشكل دائم؛ لأن العمل الدائم يجعل الإنسان مشغولاً طوال يومه، وليس لديه الوقت في سماع أو صناعة أو تمرير نكتة، كذلك في البلاد التي تُعد بلاداً فقيرة ومتخلفة ولديها نوع من القمع والكبت تزداد النكتة فيها بشكل كبير للتنفيس عما يحل بهم من ذل وهوان، في المقابل هناك النكتة الهادفة التي يتميز بها بعض الناس، والنكتة غير الهادفة؛ لذلك يجب محاربة الثانية، والاستفادة من الأولى في تعديل الأخطاء والاعوجاج. إذاً النكتة يتفق عليها الأغلبية أنها باب من التنفيس البريء الذي يخلق جواً من التسلية والضحك لإزالة هم وغم الحياة التي يعيشها كثير من الناس، ونحن في مجتمعنا كثرت النكت، وأصبح الأغلبية منا أساتذة في صناعة النكتة، وكنا في السابق نستورد النكت، أما الآن فتغير الحال خاصة بعد انتشار وسائط التواصل الاجتماعي ومنها «تويتر» و «الواتسآب» الذي غير الأحوال وبدلها، فأصبحنا نجيد صناعة النكتة في دقائق أو ثوانٍ فبعد كل حدث رياضي أو سياسي أو اجتماعي تصدر نُكت على هذا الحدث. سوف أتحدث عن واقعنا المؤلم في صناعة بعض النكت الساخرة والنكد الذي طال بعضنا من ترديدها؛ حيث أصبح واقعنا مؤلماً ومحزناً عند سماعنا لبعض النكت التي تستهزئ بنا وبمكونات وطننا، فتمر علينا نكت سواء كانت مكتوبة أو عبر مقطع تمثيلي قام بصناعتها إما أُناس جهلاء، أو أُناس يتربصون بأمن هذا الوطن واستقراره محاولة منهم زعزعة هذا الاستقرار، فأصبحنا نشاهد نكتاً تتحدث بأسلوب ساخر عن المرأة وعن الرجل، أو عن بعض العادات، أو بعض مسميات الأماكن في بلادنا ومقارنتها بمسميات في بلاد أخرى، أو الإساءة الشخصية لبعض رموز الوطن سواء كانت سياسية أو رياضية أو اجتماعية، فعلى سبيل المثال النكت التي تم تداولها في الأيام الماضية بخصوص المكرمة الملكية بصرف راتبين لجميع موظفي الدولة، نجد كثيراً ممن لا يستشعرون بالمسؤولية يصنعون النكت على نسائنا وهن ينتظرن متى تصرف لهن هذه المبالغ، كذلك تم تداول صور شباب أمام صراف ينتظرون متى يبدأ صرف تلك المبالغ، وهناك عدد من النكت الكثيرة التي تصور أن المجتمع ليس لديه مال أو أنه فقير الحال، أو هناك من يرغب في إفساد فرحة المجتمع لهذه المكرمة الملكية عن طريق النكت الساخرة التي ينشرها هنا وهناك، وقد لا يستشعر ناقل تلك النكت بهذا الشعور، وهذه مصيبة كبيرة أن تنقل شيئاً فيه مضرة على وطنك، فلماذا لا نعكس الأمر ونصنع نكاتاً تبين شهامة المواطن السعودي وكرمه ونبله وتمسكه بقيمه وغيرته، وتبين أيضاً كرامة وعفة المرأة السعودية وكفاحها وتميزها في منزلها وعملها؟ كذلك لا يعلم كثيرون أثر بعض من هذه النكت التدميري على المجتمعات عندما تُنشر للسخرية منه أو الانتقاص من قدرات بعض شرائحه، فهناك من يتعمد نشر مثل هذه النكت لنيات سيئة جداً ضد وطننا ومجتمعنا لزرع الضعف والهوان والاحتقار والانتقاص من أبناء الوطن، ولو قارنا النكت التي تصدر منا والنكت التي تصدر في البلاد المتقدمة نشاهد أنها مختلفة تماماً فهم يصورون مشاهد مضحكة تُسعد الآخرين ويتجنبون الإساءة قدر الإمكان لأي شخص، فهذا هو المستحسن في صناعة النكتة. ختاماً.. العيب ليس في النكت ولا في المزح بها إنما العيب في التركيز على أمور تمس واقع المجتمع وتجرحه بها، والأغلبية ليسوا ضد النكت ولا المرح، إنما ضد من يحاول الإساءة بتلك النكت إلى عاداتنا وواقعنا الذي نعيشه، فلنجعل من أنفسنا أداة بناء لوطننا ومجتمعنا لا معول هدم، كما علينا أن نلحظ ما يقوم به الإعلام الخارجي من رصد جميع ما يتم تداوله في وسائل الاتصال الاجتماعي وإسقاطها على المجتمع السعودي كافة، ويتم تناولها في التقارير الدولية أو الكتابة الصحفية التي تستهدف تفريق وتشتيت المجتمع بكافة مكوناته.