تقاس حضارة الأمم بجودة منجزاتها، وليس بما تبلوره من شعارات تنظيرية؛ فالمنجزات الحقيقية تعد شاهد صدق على جودة المخرجات وكفاءة القدرات. وتعدّ المملكة العربية السعودية قطب رحى النهضة الشاملة بين نظيراتها من الدول؛ فنهضتها التنموية شملت جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية، والشواهد على ذلك حية ملموسة، يمكن وضعها تحت المجهر لملاحظة مستوى كفاءتها، وقياس مدى جودتها في التخطيط، ومقدار فعاليتها في التنفيذ ما يجعل منتجاتها ميدانًا خصبَا لمستقبل واعد. ولاشك أن ما تشهده اليوم كافة قطاعات العمل في الأجهزة الحكومية والأهلية من نظم حديثة في الرقابة العملية لمخرجاتها، يواكب التطور العالمي في الأنظمة الإحصائية المهتمة بصنع القرار التنموي المنبثق من التخطيط الاستراتيجي، والمرتكز على الرؤية الشفافة التي تعكسها مرآة المؤشرات. ومن هنا برزت أهمية المؤشرات باعتبارها أداة دقيقة لرصد التقدم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية، عبر إحصاءات دقيقة ومعلومات موثوقة تكشف عن تقدم وفعالية النظام في الوقت الراهن والمستقبل المقبل، وإن اعتماد الإحصاء في صنع القرار التنموي ليس أمرًا مستحدثًا؛ فقد حفلت بطون التاريخ بأخبار تشير إلى اعتماده في نظم الحكم الروماني، كما قدمت الأدلة حول المسح السكاني الذي أجرته إنجلترا في القرن الحادي عشر؛ للإفادة منه في جمع المعلومات المتعلقة بالضرائب والخدمة العسكرية، وكشفت الإحصاءات لدى الفراعنة والبابليين، وأخبرت عن التعداد السكاني الذي أجرته الصين في عام 1370م. وترسيخًا لأهمية دور الإحصاء المستند على الأدلة المعلوماتية في مواكبة التحديات التنموية، تكاتفت الجهود في المنظمات الإقليمية والدولية لتعزيز الأنظمة الإحصائية الوطنية في البلدان النامية والمتطورة، وبناء على ما سبق انطلقت حكومتنا الرشيدة مستثمرة جميع الإمكانات والفرص المتاحة لدفع عجلة التنمية والتطوير نحو الأمام، عبر التركيز على إجراء المسوح الاقتصادية السنوية والتعدادات الدورية المتعلقة بالسكان والمساكن والخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الاهتمام بمؤشرات الأداء والمقارنة المرجعية؟ وجوابه يكمن في زيادة الاهتمام بضمان الجودة والمطالبة بمزيد من الشفافية، والمنافسة المحلية والدولية، ورفع منسوب النمو في ظل تقنية المعلومات. وإن كانت مؤشرات الأداء و قياساته تختص بتوفير المعلومات والبيانات الإحصائية التي تحدد التقدم نحو الهدف، ومراقبة الأداء من خلال مقارنته بالأهداف الاستراتيجية على مستوى المؤسسة، وتسهيل عمليات التقويم المؤسسي، وتقديم المعلومات لهيئات الاعتماد، فهي على المستوى الوطني تؤكد على ضمان الشفافية والمحاسبة على المال العام ومتابعة جودة المؤسسات. وبهذا تكون المؤشرات أداة إدارية مهمة للتطوير المهني والتخطيط العملي؛ حيث توجه تركيز العاملين نحو الأمور الجوهرية وتحديد الأولويات والإجراءات اللازمة للتغيير ومراعاة ترشيد الإنفاق. وتصنف مؤشرات الأداء بحسب نوعها إلى: مؤشرات المدخلات، ومؤشرات العمليات، ومؤشرات المخرجات (الكمية والنوعية)، وتعتمد آليتها على تقويم مستوى الأداء الحالي، وتحليل البيانات لتحديد جوانب القوة والضعف وفرص التحسين من خلال وضع خطة عمل مبنية على تحديد الأهداف ودقة اختيار إجراءات التنفيذ. ولا بد لنا من وقفة حول خصائص المؤشرات المتمثلة في كونها قيمة ومحددة ومتوازنة، وواقعية ومرنة واقتصادية الكلفة وسهلة القياس ومتصلة بالخطط التنموية ومرتبطة بالجهة المسؤولة عن تحقيقها. وهناك صعوبات وتحديات تحول دون الوصول إلى البيانات والمعلومات اللازمة منها: اتساع الفجوة بين المؤشرات وأهداف الخطة والتركيز على المستوى المؤسسي وعدم الاستفادة من المؤشرات في التقارير الدورية. ولنجاح عملية الاحتكام إلى المؤشرات نأمل الالتفات إلى أهمية الربط بين المؤشرات وأهداف الخطة، ودراسة المقاييس الدولية قبل صبها في القوالب الوطنية، وتوخي الموضوعية في بناء الخطط التنموية المعتمدة على المؤشرات في تتبع التطور المرحلي، وإصدار دليل مرجعي لمعايير جودة البيانات في إطار التخطيط للتنمية المستدامة في جميع المجالات، يشتمل هذا الدليل على المنهجية الصحيحة لجمع المعلومات وتحليل البيانات وتطبيق المعايير الدولية في توثيقها ونشرها لتحقق غاياتها لدى المستفيدين، ووضع المقترحات والحلول للتخلص من المعوقات التي على رأسها غياب الكادر المتخصص في هذا الشأن؛ ليكون أمينًا على تحقيق أهداف قياس المؤشرات وتطبيقاتها واستخلاص نتائجها ورفدها بالتغذية الراجعة، وختامًا لا بد أن نضع نصب أعيننا أن دقة الإحصاءات مؤثرة في صدق المؤشرات وما يترتب عليها من وضع خطط مستقبلية للبرامج التنموية الوطنية.