أثار استفزازي الرقم الخيالي، الذي وصلت إليه بلادنا في إحصائيتها الجديدة، حيث بلغ عدد العاطلات لدينا 3.5 مليون عاطلة، إنه لخبر محزن ومخيف في الوقت نفسه. وما زاد استفزازي المقال، الذي نشره أحد الكتّاب بخصوص هذا الخبر، متحاملاً على العاطلات، وقال في صريح العبارة إن كل عاطلة لا تستحق الحب ولا الاحترام. وذلك لأنها أصبحت فارغة لا تعمل، نسي أننا أتلفنا أعمارنا بين الكتب ومطاردة المعاهد الأهلية بعد التخرج، والركض وراء برنامج «جدارة» الذي سفك حقوقنا الوظيفية واضعاً نظاماً غاشماً كقياس الذي يعتبر مطبة وحاجزاً بيننا وبين الوظيفة التي نطمح لها. وكأن شبابنا كلهم مرتقون وظيفياً، متجاهلاً «تبطح» بعض منهم في الفراش كل صباح متقاعساً عن البحث عن مصدر عيشه، هؤلاء هم مَنْ لا يستحقون الحب ولا حتى الاحترام. فماذا تريدون من بناتنا أن يفعلن، فقد درسن في كل التخصصات، ولكن مجالات العمل في مجتمعنا محدودة. عدا عن هذا أن الأغلبية من عاطلاتنا ربات بيوت وأمهات طموحات أفنين أعمارهن في تربية أبنائهن، ألا تُعتبر ربة المنزل عاملة، بل هي كذلك لأنها تولت إدارة مملكتها بنفسها، وما زالت تركض مع الحياة كي تستثمر سنواتها الدراسية في وظيفة تسد رمق انتظارها. فبعض منهن كسرن روتين العطالة واستغللن برنامج الإنستجرام لكسب لقمة عيشهن بعرض إنتاجاتهن وسلعهن البسيطة علهن يقتلن الفراغ منتقمات من العطالة بتوظيف أنفسهن في مجالات غير مجالاتهن، عدا عن ذلك الركض حول المدارس الخاصة التي تثقل كاهلهن بأعباء لا تنتهي. فكفاكم تجريحاً بالعاطلات فأغلبهن صاحبات مواهب إبداعية منتهجات الرسم والكتابة الأدبية، والأشغال اليدوية، والأعمال المنزلية، وتربية الأبناء ومجالسة وآبائهن الكبار في السن والسهر على راحتهم. فحتى إن كانت هناك وظائف فقد تكون العادات والتقاليد هي مَنْ أجلستهن في بيوتهن، وهذا مجتمعنا ونحن أعرف الناس به. لكن أن يأتي أحدهم ويرمي علينا أحكامه بأننا فارغات ومملات، فلا وألف لا، فرفقاً بالعاطلات فأحوالهن لا ترضيهن وناقمات على معيشتهن الرديئة. فالمرأة وإن قصرت الجهات الرسمية في إعطائها حقها فستبقى عمود المجتمع، الذي لن يزعزعه ريح حاقد ولا زوبعة كاتب..!