عندما تستحيلُ الحياة إلى حقٍ مطلق وباطلٍ مطلق، إلى صوابٍ مطلق وخطأ مطلق.. إلى أبيضٍ مطلق وأسود مطلق، يصعبُ بعدها التكيّف مع مُتغيرات الحياة المُلزِمة ونكونُ قد زرعنا أنفسنا في أُطرٍ مُحكمة الإغلاق لا يمكن من خلالها النظر إلى الصورة الكاملة للحياة الحقيقية. وجود هذ النوع من عُنصرية التفكير في مجتمع ما لا يُولد غالباً سوى التشبُث بالآراء أكثر في عصرٍ نحن أحوج ما نكون فيه إلى مواكبة ما حولنا من تطورٍ مُتسارع، فما كان بالأمس مُحرماً أصبح اليوم حلالاً، وما كان نظرية ثابتة تحوَّل إلى مُتغيرة والأمثلة كثيرة على مثل تلك المواقف الجامدة التي مرت على مجتمعنا وانحنت غير طواعية أمام أمواج التحول والتغيير العاتية. كلُّ الكونِ في حركة دائبة مولدة طاقة مُستمرة في كلِّ اتجاه مؤثرة في نفسها ومن حولها، كذلك الإنسان والمجتمع فهو يحوي على بذرة انشقاقهِ في صميم تكوينه مُعلِناً عن التطور والتحول الفطري للحياة. مهما حاولنا الجمود أمام مُتغيرات العصر فلن نصمد، فنحن لن نجد حقاً مطلقاً يشمل كل قضايانا ولا باطلاً مطلقاً يشمل كل عثراتنا وأخطائنا، فالأمور نِسبية مُتنازعة كلٌّ يجرُّ النار إلى قُرصه لا شعورياً يدفعه إطاره الصغير. ليس بالضرورة ما نفعك قد ينفعني، وهذه هي مشكلة المشكلات. كل ثابت قوي مرّ على التاريخ ضعُف وانهار أغلب الأحيان من دول ومؤسسات وأنظمة فقط لأنها أصرت على نفس تلك المبادئ الأولى حين قوتها بينما المجتمع تغيَّر ولم تتغيَّر معه و تواكبه حتى نعود من جديد للدورةِ المعتادة من قمة القوة إلى قاع الضعف.. تتكرر المشاهد جيلا بعد جيل ومجتمعاً بعد مجتمع ولا تتغير ردة الفعل. أخيراً.. هي دعوة للتغيّر والتكيف فما خُلق لك لم يُخلق لغيرك ولا تسجن نفسك في إطار ثابت لأنك بذلك ستجدُ نفسك وحيداً بصُحبة ثوابت لا تُغني ولا تُسمن من جوع.