في حين تحدث خطيب الجمعة في المسجد الحرام عن قيمة العمل وقضية الرزق، اهتم خطيب المسجد النبوي بموضوع ملازمة التقوى وربطَه بزوال الشرور. في مكةالمكرمة، أكد خطيب الحرم المكي، الدكتور سعود الشريم، أن «العمل مهما كان حقيراً فهو خير من البطالة؛ لأن العزة بلا سؤال خير من ذلة بسؤال»، مشيراً إلى «نظرِ الإسلام إلى المكلَّف نظرة اعتبار؛ حيث دعاه إلى نزول ميادين العمل على أنواعها إما مأجوراً أو حراً مستقلاً أو مشاركاً في المال إن استطاع». في الوقت نفسه، أوضح الشريم أن «الناس مع الرزق في هذه الحياة مذاهب شتى ودروب متفاوتة، كلٌ بحسب ما يحمله قلبه واعتقاده عن مفهوم الرزق، ومفهوم طلبه واستيعاب الواجب تحقيقه من الوسائل المؤدية إليهما». وتحدث عن صنفٍ من الناس «قلق متوجس لا يهنأ بنوم ولو أغمض عينيه ويتجرع طعامه وشرابه على شرق ولا يكاد يسيغهما لأن هاجس الرزق مستولٍ عليه وجاثم بقلبه فهو لا يثق بوعد ولا يستحضر قدراً قدَّره الله ولا يأمن سبيلاً يرى نفسه بين الحياة والموت إن لم يلهث وراء الرزق بلا شرط ولا قيد، بل تستوي عنده وسائل التحصيل حلالٌ كانت أم حراماً ما دامت غايته المشوشة تبرر الوسيلة». وأضاف «مثل هذا إذا رأى أول الرزق سال لعابه لآخره حتى يأكل ولا يشبع ويشرب ولا يرتوي، ومن هذه حاله يستبد به الجشع والشراهة فيجعلانه لا يكتفي بقليل ولا يشبع من كثير، لا يكفيه ما عنده فيمتد إلى ما عند غيره». وعلى نقيض هذا الصنف من الناس، تطرق الشيخ إلى صنفٍ آخر قائلاً «وفي الناس مَنْ هو عكس ذلك تماماً قد أخلدت نفسه إلى الراحة وآثر الدعة وجلس لا يهش ولا ينش ينتظر السماء أن تمطر ذهباً أو فضة يرى أن القاعد كالساعي أو خيراً منه، بل يرى أن السعي لطلب الرزق جهد مهدر وثلم لقدح التوكل والقناعة والواقع أنه قناع وتواكل وليس قناعة وتوكلاً». وبين هذا وذاك، اعتبر الشريم أن «من المعلوم بداهة أن المال قوام الحياة وزينتها وإن الناس يستقبلون صباحهم في كل يوم وشؤون الرزق مستولية على أفئدتهم ومستحوذة على أفكارهم، المقل منهم يريد سعة والموسع يريد مزيداً، فإما غنياً فيه طمع أو فقيراً عنده قلق وقليل منهم بين ذلك»، مشدداً على أن «مسألة الرزق أدق من أن يفهم الناس أغوارها وأعظم من أن يدركوا عموم حكم الله فيها، لأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين». أما «المسلم السعيد» في نظر الشيخ فهو «الذي تعتدل أمامه مسالك الحياة في طلب الرزق في عمل ويتصبب منه عرقه ليتطهر من فضلات الكسل وجمود النفس ويكسب الكسب الحلال الطيب». و«الإسلام يريد من أهله أن يكونوا أقوياءً أغنياءً لا مهازيل ضعفاء ومعنى أن يكونوا أغنياءً أي ليسوا عالة يتكففون الناس، فالإسلام لا يريد الفقر المذل لأتباعه، كما أنه لا يريد الغنى المطغي لصاحبه»، بحسب الشريم. وفي المدينةالمنورة، حثَّ خطيب المسجد النبوي، الشيخ صلاح البدير، جموع المسلمين على ملازمة التقوى لأنها مجلبة للسعادة وسبيل الفلاح والنجاح في الدارين. وقال «بالتقوى يُنَال جسيم الخير والفضل وبها تزول الشرور عن العبد وتدفع»، مستشهداً بقول الله تبارك وتعالى: (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون). وذكَّر البدير المصلين بأن «الدنيا فانية وأن الآخرة شريفة باقية، وأن الآيات تذكر بذلك، فطوبى لمَنْ أنصت للعظات النوافع وأصغى للمواعظ البوالغ، فعقلها بقلبه وتفهمها بلبه واستجاب لها بقوله وفعله». وتابع «الدنيا تنطوي وتنقضي وتنتهي، ونعيم الآخرة أبدي لا ينقطع، الدنيا متاع قصير مصيره الزوال والفناء، والجنة نعيم دائم لا آخر له»، مستدلاً بقول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثلما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر أحدكم بما ترجع). في السياق نفسه، حذر البدير مما سمَّاه «الخيبة الكبرى»، وعرَّفها بأنها «بيع نعيم الجنة وإغضاب رب العالمين بالأماني والملاهي والشهوات والقبائح»، مستشهداً بقول المولى عز وجل: (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين).