يرتكز مفهوم الإعلام المحافظ أو الهادف – كما يرى البعض – على محورين اثنين لا ثالث لهما: عدم إظهار وجه المرأة وعدم استخدام الموسيقى، وما خالف ذلك فهو إعلام هابط من الواجب إصلاحه أو حتى محاربته، وقد نجحت بعض القنوات ووسائل الإعلام لدينا في ترسيخ هذه القناعة لدى المتلقي دون الاهتمام بالمضمون، وكما هو الحال مع أي مشروع مؤدلج على المستوى المحلي، فقد استطاع هذا النوع من الإعلام تكوين قاعدة جماهيرية من المتابعين والقراء الذين قد تسبق عواطفهم أي حواس أخرى أثناء التعاطي مع المادة الإعلامية، ولعل صحيفة «سبق» الإلكترونية أبرز نموذج عملي قد يتبادر إلى الذهن. تتميز المادة الإعلامية المحافظة حسب المفهوم المحلي الدارج بمتابعة أخبار الهيئة وإبراز دورها في توعية المجتمع والبحث عن مواطن الخلل بشكل مبالغ فيه حتى تكونت لدى المتابع صورة بطولية لهذا الجهاز، وأصبح من لوازم هذه الصورة أن المجتمع في انفلات أخلاقي كبير لن تكبح جماحه سوى جهود الهيئة، وبات خبر الإمساك بشاب وفتاة في خلوة غير شرعية ومن ثم ستر الهيئة على الفتاة وتسليمها لأهلها وتحويل الشاب إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام وجبة يومية دسمة تقتات عليها هذه الصحف، وبالتالي لم يعد معها للناطق الإعلامي للهيئة أي دور يذكر، ولعلنا في الوقت نفسه لا ننكر دور الهيئة الفعلي في متابعة بعض السلوكيات الخاطئة، لكن ما يدعو إلى الضجر هو إبرازها بهذا الشكل وإغفال مشاكل المجتمع الأخرى إما مراعاة لمانح التصريح أو تحقيقاً لغايات أخرى قد لا تخفى على العاقل الحصيف. ومن مظاهر تضخيم الأخطاء في إعلامنا «المحافظ» استثارة القارئ وتجييش مشاعره من خلال المبالغة في تصوير فداحة الخطأ وإن قل شأنه، وقد يصاحب ذلك التسويق لآراء ووجهات نظر أحادية تؤيد نفس التوجه بغض النظر عن فبركة تلك الآراء أو اقتباس ما يخدم الموضوع منها، كما أن ذاتية الإعلامي وتوجهاته كثيراً ما تظهر بوضوح في ثنايا المادة الإعلامية أو الخبر في مخالفة واضحة لأبسط معايير المهنية. وكمثال تطبيقي، فقد أوردت صحيفة «سبق» خلال اليومين الماضيين خبرين مفادهما أن جامعة الطائف أقرت مناهج دراسية لطلاب اللغة الإنجليزية تحوي صوراً «فاضحة» حسب تعبير الصحيفة، ليست المشكلة في ماهية هذه الصور لكن الإشكال في مجموعة الأوصاف التي استخدمها المحرر أو المراسل في صياغة الخبر التي صورت المنهج بمجلة إباحية أكثر من كونه مقرراً دراسياً: “صور فاضحة، قيم غربية ساقطة، صور مخلة وخادشة للذوق العام، نساء عاريات، لباس مثير ومخجل، لباس مخزٍ وهاتك للأخلاق، مقررات مخلة”. كل هذه المفردات وردت في خبر قصير لا يتجاوز 250 كلمة، تبع ذلك خبر إيقاف مدير الجامعة لتلك المناهج واستبدالها بأخرى وتصوير ذلك الخبر بالفتح العظيم الذي لم يكن له ليتم لولا تظافر جهود “الغيورين”! المفترض بالإعلام المحافظ – كما يدعي – أن يتحرى المصداقية والموضوعية مهما كلف الأمر، كما يفترض به أن يتقصّى الحقيقة حتى وإن كانت مخالفة لهوى المحرر أو لكاتب الخبر أو حتى لتوجهات المؤسسة الإعلامية ذاتها، الإعلام المحافظ هو الذي يتلمس هموم الشارع وأعباء المواطنين ويجتهد في إثارة القضايا الشائكة والمسكوت عنها تمهيداً لمساءلة المسؤول عنها ومحاسبته مهما علا شأنه، الإعلامي المحافظ هو من لا يغض الطرف عن انتهاكات القوانين والأنظمة وهو نفسه من يميط اللثام عن وجهه ليشم رائحة الفساد أملاً في القضاء عليها. كان من المفترض أن تبرز جهود المخلصين في تلك الجامعة بتجرد تام، بدلاً من الاستماتة في تهويل موضوع صورة في منهج دراسي، كان من الممكن معالجته دون إثارة كل هذه الضجة.