الانشغال بتبرير أي حالة فشل وعدم البحث عن أسباب وحلول ذلك هو عادة سلوك الإنسان الذي لا يود الاعتراف بالتقصير، يمنحك هذا الشخص -في سياق المشكلات الأخلاقية والسلوكية- حلولا غير منطقية تكاد تكون مضحكة في بعض الأحيان حينما يؤكد أن بناء مجتمع الحب والألفة مشروط فقط بحجب الإعلام التحريضي وغير الأخلاقي الذي يُبث في أماكن متفرقة من العالم، أما قبل ذلك فإنَّه سيبقى دائماً مهيأً لانفلات أخلاقي وسلوكي بكافة درجاته ومستوياته حتى تلك التي تصل إلى العنف والتعدي. في اعتقادي أن أحداً مهما بلغ من قوة لن يستطيع أن يتحكم فيما يراه ويسمعه من الآخر عبر وسائل الإعلام، من هنا فبناء الإنسان وتنمية قدراته على التعامل مع ظروف عصرنا الراهن وما فيه من تعقيدات كبيرة هو ما ينبغي، صناعة الإنسان هو مزيج بين تربيته أخلاقيا وعلمياً ووضع الحدود والقوانين الرادعة القادرة على إيقاف أي تعدٍ له أو عليه بأي عنوان كان، العالم اليوم أكثر تعقيداً من ذي قبل، والحديث عن مبررات لأي انفلات سلوكي وإلقاء اللوم -كل اللوم- على العوامل الخارجية هو كما أظن محاولة تذرع وتهرب من عدم تحمل المسؤولية. هناك رأي تتفق عليه شريحة واسعة من الواعين في المجتمع وهو أن خطاب الكراهية وكافة مستويات التمييز العنصري والقبلي يجب أن تتوقف بضوابط قانونية صريحة وواضحة، وفي مداخلة أجدها غاية في الأهمية لعضو مجلس الشورى الأستاذ محمد رضا نصرالله في المجلس، الإثنين السابع عشر من محرم الفائت، قال «أدعو مجلس الشورى، بوصفه مجلسا للتشريع وصناعة القوانين، إلى أن يبادر من فوره نحو سنّ نظام واضح في مراميه، وصارم في تطبيقاته، مجرّما كل مثير للطائفية، وأي متورط في فعلها، لنحمي بلادنا من شرورها، مؤكدين على ضرورة نزع أية كلمة من مناهج التربية والتعليم، وحذفها من أية وسيلة من وسائل الإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني، ومصادرة أي كتاب أو مطبوعة، تدعو إلى الفرقة والتمييز القبلي أو الإقليمي أو المناطقي»، وهذا بالتأكيد أمر حان الوقت لحدوثه، غير أنَّني أعتقد أنَّه ينبغي بموازاة ذلك السعي في توطيد الثقة واللحمة الاجتماعية بين الناس التي بذل دعاة الكراهية جل مساعيهم في نزعها واستبدالها بأعلى درجات الشقاق، وهذا يحتاج كما أرى لحملة مضادة تقوم بها أوجه المجتمع الدينية والثقافية في الأطراف المختلفة لترسيخ الحب والوفاق والألفة بين الناس. التوقف عن صناعة مبررات العنف والكراهية بين المختلفين والذهاب باتجاه بناء القانون المجرم للعنصرية والكراهية والتفرقة وتنمية الإنسان هو أمر لا أظن أننا مخيرون فيه، ولعل التفاعل الإيجابي في حادثة الأحساء بين كافة شرائح المجتمع السعودي دلالة واضحة على وعي المجتمع ورفضه هذا النهج، أتمنى بالفعل أن يكون هذا التوحد هو بداية عهد جديد من الاندماج الاجتماعي بدرجات أعلى، وفي اعتقادي أن أكبر قيمة وطنية لشهداء الأحساء وشهداء الواجب من رجال الأمن هو تحقيق المحبة والألفة والوحدة بين أبناء الوطن، حمى الله بلادنا من كيد الكائدين.