قد يجهل بعضنا معنى القيادة، ولعل من الخطأ اعتبار القيادة والإدارة وجهين لعملة واحدة، كما نبه إلى ذلك «جون ماكسويل»، وهو خبير في القيادة ومتحدث ومؤلف معروف عالمياً، ألّف أكثر من 60 كتاباً، وبيعت من كتبه أكثر من 13 مليون نسخة. فالقائد: «هو الشخص الذي يرى أكثر مما يراه الآخرون، وأبعد مما يرى الآخرون، وقبل أن يرى الآخرون» – ليوري إيمز. وأما الإدارة فنظم ومعايير محددة، بينما القيادة وعي وإدراك بحجم التأثير الصادر من الرئيس إلى مرؤوسيه ومن الأب إلى أبنائه، ومن أصغر قائد يقود مجموعة من الأطفال تؤدي لعبة باحتراف حسب المفاهيم، التي يحددها كقائد ويقنع بها أصحابه. بعضهم قائد بالفطرة، ولا يعني هذا أن هذا النوع من الأشخاص يقود دون أي جهد منه أو حتى دون علم، بل هو يقود بطبيعة حاله وحسب أفكاره، حتى أنه بمجرد أن تحدثه تجده يتحدث بصيغة الجمع لو قمنا بكذا وفعلنا كذا لكانت النتيجة مثلما نحب! فيسخّر كل إمكاناته لخدمة هدف جماعي ينتفع منه الجميع فيما هو بارع فيه. ول«ماكسويل» مقولة جميلة تنص على: إذا لم تكن تمتلك التأثير، فإنك لن تكون قادراً أبداً على قيادة الآخرين. فالقيادة: فن وعمل وعلم، تحتاج للجهد والصبر والاطلاع على كل شيء يجعلك مؤهلاً لقيادة فريق عمل أو مجموعة اجتماعية أو حتى على أبسط مثال قيادة سير حياتك بتحقيق أهداف وضعتها لنفسك بما يمثل لك ما تريد. وبعد قراءتي سيرة د. غازي القصيبي في كتابه الشهير «حياة في الإدارة» أثبت لي أن الألقاب لا تجدي نفعاً وتزول بزوال المقعد الذي أكسبك إياها، فالوزير لا يعيش كل الحياة وزيراً، ولا المدير يظل على هذا المنصب العمر كله، فلقد أشعل د. غازي فكري بسطور كتابه، التي تحتوي على معانٍ للقيادة، فهو بالفعل قائد ناجح وإداري مبدع ورجل تحدى الصعاب، لم ينكسر ولم يتخاذل مطلقاً، بل كان ثابتاً على موقفه من الإصلاح وإدخال التنمية في أي قطاع يشغلة كوزير ودبلوماسي له ثقله ومكانه، رحمه الله وغفر له. وبدورنا نحن كأشخاص عاديين لم نشغل مناصب عليا، ولم نلتقِ قادة ولا رؤساء دول نحتاج لتعلم قيادة حياتنا، فإما أن نقود حياتنا، وإما أن تقودنا هي. يقول -جون ماكسويل-: «التضحية هي لب القيادة الجيدة». فكلما ضحيت بوقتك في التعليم وتركت الترفيه اللامجدي وجدت لك وقتاً تسمع فيه لقباً يختص بك «الدكتور، البروفيسور، الكاتب، إلخ»، كن أكثر تأثيراً كإيجابي وعضو فعال في مجتمعه لتنال نصيباً ولو قليلاً من القيادة. وبالفعل لم أسمع عن قائد عاش دون ألقاب إلا وكان له من التضحية وعناء العمل الدؤوب والإنجاز شيء كثير وكثير. التضحية لا تعني التخلي عن خططنا المستقبلية وأهدافنا المرسومة، لا أبداً، فالتضحية قد تكون بالوقت والصحة والمال، فهل ضحيت لكي تقود حياتك وتسير بها نحو خارطة رسمتها لنفسك تستقر عند آخر نقطة حددتها في ذاك الأفق البعيد المسمى ب الغد؟!