لم يفق المجتمع من صدمة ضحايا حفرة شارع التحلية في جدة، التي غُدر فيها الشاب منشو وطفله الشهر الماضي، حين كانت الأسرة تتمشى في أمان الله على الطريق العام أمام مرأى ومسمع من الأم والمارة في الشارع، وكالعادة تقاذفت الجهات المسؤولة مسؤوليتها عن جريمة الإهمال، وتنصلت منه الأمانة في أسرع تصريح في تاريخ كوارث جدة، ليستفز الشارع السعودي والرأي العام في المملكة، حين أصرت جميع الأطراف بإلقاء التهمة من البداية على صاحب المحل التجاري الذي تقع أمامه الحفرة! فلو ابتلعت حفرة للتصريف على سبيل المثال في الشارع أمام مستشفى التخصصي ضحية أخرى (لاسمح الله)، لتنصلت منه الأمانة والجهات المسؤولة، ولأصبح مسؤولية وزارة الصحة، وإذا سقطت ضحية في الشارع الذي يقع فيه مبنى إدارة المرور ستكون المسؤولية هنا على عاتق المرور، ولكن إذا كانت الحفرة أمام سكن أحد النافذين أو الأثرياء، فلن نستغرب حين نجد أن من تسبب فيها ثقب الأوزون! في حادثة مشابهة، فُجعنا بداية هذا الأسبوع بوفاة الطالب عبدالله الزهراني (رحمه الله) أمام مدرسته حين سقط في حفرة للصرف الصحي، لا علاقة لها بالسيول والبحور التي امتلأت بها شوارع جدة بعد هطول يوم واحد من المطر، بل تُماثل تماماً الحفرة التي سقط فيها بغدر الإهمال (الأب والابن منشو) من حيث المبدأ، فحين يتم التستر على تلك الحفر، يتم تغطيتها بطريقة رخيصة ودنيئة دون أدنى إحساس بالمسؤولية أو بالضرر، الذي يمكن أن تلحقه، لتصبح كميناً لأي إنسان يمر فوقها، خاصة حين لا تجد مفتشا أو مشرفا أو مراقبا يتفقد مواقعها، ليتأكد بنفسه ما قد يخلفه جهل أو تكاسل (العُمال)، و كأن حياة الإنسان باتت رخيصة منذ أن طفت جثث ضحايا السيول أمام أعيننا، في عشرات من المقاطع التي مازالت شاهدة على تلك المأساة في اليوتيوب. مسلسل تساقط ضحايا حفر الصرف الصحي، لا علاقة له (بحجم الأمطار) التي اعتادت أمانة جدة بإلقاء التهمة عليه في كل سنة، بل نتيجة لإهمال الجهات المسؤولة في أداء واجبها، على الرغم من صرف ميزانية سخية لها في السنوات الأخيرة، تقدر بعشرات المليارات، ومع ذلك مازالت عاجزة عن توفير حل بسيط جداً..غطاء! عندما تكلف الدولة جهة حكومية أو وزارية بتأدية خدمة معينة للمواطن، فمن المفترض أن تُقدم الجهة تلك الخدمة، دون أن تقحم المواطن في مشكلاتها الداخلية، التى لم يتم تجاوزها منذ عقود، ليس لأنهم لم يتمكنوا من ذلك لأسباب خارجة عن إرادتهم، بل لأنهم فشلوا إدارياً وميدانياً في إيجاد حلول لنفس المشكلة التي تعترضهم كل سنة، وبدلاً من أن يستحدثوا حلولاً مُطورة تنهي مأساة البشر، تأتي النتيجة كارثية وفاضحة ومشينة، حين يتم إلقاء اللوم على المواطن الذي يُغدر في الطريق تارة، وعلى المقاول الرخيص تارة أخرى، ولكن حين تفشل الجهة الخدمية في تقديم الخدمات وتتكرر حوادث الإهمال والتهرب من المسؤولية، نتوقع أن تقوم الوزارة التابعة لها بتحمل المسؤولية بشجاعة، وتنفيذ لائحة للعقوبات، خاصة حين يبدأ يحصد ذلك الإهمال الأرواح، وحين لا تفعل الوزارة ذلك، نتوقع ونأمل من مجلس الوزراء الموقر معاقبة جميع الأطراف المسؤولة، التي صرفت لها ميزانية لهذا الأساس ولم تنجح إلى الآن – على الرغم من الأخطاء السابقة – في تأمين سلامة المواطن. في مأساة مثل مآسي ضحايا سيولجدة، أو ضحايا حُفر الموت (الصرف الصحي)، لا يهم المواطن وأسرة الضحية أن يعرف إن كانت حفرة الصرف الصحي تابعة لفندق 5 نجوم أو لرجلٍ فوق القمر أو لعامل النظافة في الشارع، مهما حاول المسؤول التملص من مسؤوليته بالصمت، أو بالتهرب، أو تقاذفها مع آخرين، سيظل المواطن البسيط في الشارع والمدرك للتفاصيل جيداً، بالإشارة دائماً وأبداً إلى البلدية وأمانة المحافظة، لأنها جهة الاختصاص، وهذا ما يجزم علىه ويدركه الناس في أي مكان حول العالم، وكما ألقيت التهمة في حادثة التحلية على المحل التجاري دون أدنى إحساس بالمسؤولية أو استشعار بمصيبة الأسرة المكلومة، بدأت محاولات تستبق التحقيقات بتوجيه أصابع الاتهام هذه المرة إلى وزارة التربية والتعلىم، لأن حفرة الصرف التي ابتلعت «عبدالله» وتم تغطيتها بقطعة خشب تعتبر تابعة للمدرسة! ويبقى أن أسجل إعجابي الحقيقي بالجهود المنقطعة النظير، التي أعلنت عنها أمانة جدة، في استعدادها (المميز) هذه السنة لموسم الأمطار، وذلك بتخصيص نحو 1600 عامل موزعين على فترتين مسائية وصباحية، وتأمين معدات وآليات (لشفط المياه) من 688 موقعاً لتجمع المياه، موزعة على نطاق 14 بلدية فرعية للتعامل مع آثار الأمطار فور هطولها !!!!!!!!!