نشرت الصحف السعودية والهندية قبل عدة أيام خبر تعيين وزير العدالة الاجتماعية في حكومة الهند «أفيجاي سامبالا»، وذكرت أن هذا الوزير كان يعمل سباكاً بالمملكة، وأنه بعد حصوله على الشهادة الثانوية سارع بالسفر إلى المملكة، ليعمل سباكاً لعدة أعوام مما مكنه من تحسين وضع أسرته المادي، قبل أن يعود إلى الهند وينخرط في العمل السياسي. لم يثر الخبر لديّ كثيرا من الاستغراب بالقدر الذي أثاره لدى بعضهم وجعله محل استغراب لديهم في أن يصبح السباك وزيرا، وعدم استغرابي لمثل هذا الموضوع يعود إلى سببين: الأول منهما أن الوزير الهندي ليس بالحالة الأولى التي تأتي من عمل متواضع لتتسلّم وظيفة قيادية في بلادها، ولدي كثير من الأمثلة لأشخاص عملوا في المملكة في وظائف متدنية أو في وظائف مدرسين أو مستشارين وتسنموا في بلادهم مناصب عليا وصلت إلى رئيس الحكومة. والسبب الآخر أن لدينا كذلك في مجتمعاتنا عديدا من النماذج والأمثلة التي ابتدأت حياتها المهنية برعي الأغنام أو الإبل أو بوظيفة حارس أو أمين مستودع، ومنهم من أعرفه على الصعيد الشخصي، وأصبحوا من أصحاب المعالي ومن رجال الأعمال ومن الصفوف الأولى في الدعوات الرسمية. لكن الذي لفت نظري وأثار اهتمامي وتجاهله كثير من المغردين والمعلقين، وقد لا يصدقه كثيرون، هو أن الوزير سامبلا يدين بالفضل في احترامه للعمل اليدوي وعدم احتقار الأعمال اليدوية بما فيها تنظيف المراحيض «أكرمكم الله»، للسعوديين. نعم هو من قال ذلك، فقد صرح سامبلا لصحيفة «تايمز أوف إنديا» أن التجربة التي شكلت جزءا مهما من حياته كانت عمله كسباك في السعودية، حيث رأى صاحب البناية التي كان يعمل بها يضع القفازات وينظف حماماً «أجلكم الله» رفض سامبلا تنظيفه، وهي تجربة جعلته لا يترفع عن العمل اليدوي أياً كان، حسب قوله. الجميل في الموضوع أن الوزير الهندي لم يتنكر للبلاد التي كانت سبباً بعد الله سبحانه وتعالى، في تغيير مسار حياته وتحسين وضعه ووضع أسرته، ولم يعد بتجربة سيئة كما هو حال بعضهم ممن عادوا إلى بلادهم وألفوا الكتب ودبجوا المقالات المسيئة، بسبب كوامن الحقد التي في صدورهم أو بسبب تعاملات فردية من أصحاب العمل أو من أفراد في المجتمع أو في الأجهزة الحكومية، وتسيدوا الشاشات الفضائية للنيل من المملكة والإساءة لها، وهم معروفون لكثيرين، وبعضهم لا يزال له إخوة أو أقارب يعملون في المملكة. واضح جداً أن الرجل لم تكن علاقته سيئة بصاحب العمل أو صاحب البناية، حسب ما فهمته من تصريحه، حيث إنه لم يرغمه على العمل أو يطرده بسبب رفضه العمل، وإنما قام بالعمل بنفسه ليمنحه درساً جديداً في الحياة، ولم يكن مجرد درس عابر بل أثر في حياته ووضعه على الطريق الصحيح. أعتقد أننا أيضاً نحتاج لتعليم مثل هذه الدروس لأبنائنا، فما الذي يمنع أن نقوم بإصلاح الأعطال البسيطة في منازلنا أو سياراتنا بأنفسنا دون الاعتماد على الآخرين، لنزرع في نفوسهم ما زرعه صاحب البناية في نفس هذا العامل البسيط، الذي أصبح بعد ذلك وزيراً في بلاده.