ثمة مفارقات بين ما جرى في البرازيل الذي انتخب شعبها للمرة الثانية امرأة من حزب العمل هي ديلما روسيف بنسبة 51.45%، وبين ما يجري حالياً في بوركينا فاسو الذي يسعى رئيسها بليز كومباوري للتجديد له بتعديل دستور بلاده، وهو الذي يعتبر من الرؤساء المعمرين في غرب إفريقيا بعد رئيس موزمبيق روبرت موغابي. فقد بقي كومباوري 27 عاماً في كرسي الرئاسة ويطمح التجديد له العام المقبل. ولذلك طلبت الحكومة هناك من الجمعية الوطنية (البرلمان) أن تأمر باستفتاء شعبي لتعديل المادة 37 من الدستور التي تمنع الرئيس من التجديد، وهذا ما أكده ميثاق الاتحاد الإفريقي الذي يشدد على «ألا يغير القادة القانون سعياً للبقاء في السلطة». كومباوري جاء للسلطة على دبابة عسكرية وانقلاب دموي في أكتوبر 1987، وكانت أولى خطواته إلغاء السياسات اليسارية للرئيس المخلوع، ثم نظم انتخابات في الأعوام 1991، 1998، 2005 و2010 وفاز فيها جميعها (!!)، لكن لاتبدو المعطيات مهيأة له هذه المرة، بسبب اشتعال العاصمة واجادو بمئات الآلاف من المتظاهرين الذين يطالبون كومباوري بالرحيل، في محاكاة لما حصل في بلدان عربية قبل أكثر من 3 سنوات. تعني بوركينا فاسو «بلد الناس النزيهين» باللغتين الموري والديولا المحليتين، وكان اسمها فولتا العليا، لكن الرئيس السابق توماس سنكارا غيره إلى الاسم الحالي. ويبلغ عدد سكانها أكثر من 13.5 مليون نسمة، ومساحتها تزيد على 174 كيلومتراً مربعاً. في التاريخ وحسب ويكيبيديا الموسوعة الحرة، فإن «بوركينا فاسو كانت قسماً من مملكة (ملى) الإسلامية ثم خضعت لمملكة (صنفي) الإسلامية وبعد تفتيت المملكتين تكونت مملكة بفولتا واتخذت من مدينة (واجادو) عاصمة لها، وخضعت للاستعمار الفرنسي الذي وقّع مع مملكة الفولتا معاهدة سنة 1896م وضمت لمستعمرة السنغال العليا، ثم أصبحت مستعمرة منفردة سنة 1916 م، وعرفت بفولتا العليا. وعندما قام المسلمون في فولتا العليا بمحاولات لنيل استقلالهم تفتتت أرضهم فتوزعت على ساحل العاج ومالي والنيجر، وفي 1947م استعادت فولتا العليا وحدة أرضها في مستعمرة واحدة، ثم نالت استقلالها في سنة 1960م، حيث يشكل المسلمون فيها أكثر من 60%». بالمقابل، وبعد أن تم انتخابها رئيسة للبرازيل، بادرت ديلما روسيف إلى الدعوة لحوار جاد يفضي إلى نتائج تنعكس إيجاباً على البرازيليين ورفعت شعار الحوار والسلام والوحدة. وهذا الشعار لايمكن أن يبادر إليه أحد إلا إذا كان واثقاً من خطواته، وهو الأمر الذي تسعى لتحقيقه الرئيسة التي شهدت بلادها قبيل وأثناء منافسات كأس العالم اضطرابات كبيرة وتعرّضت لانتقادات بسبب حجم المصروفات على المنشآت الكروية التي كانت ضرورية لإنجاح المونديال. لكنها، وهي التي تربت في مدرسة الرئيس السابق للبرازيل لولا داسيلفا الذي قال يوما «لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس»، وعلمته كيف يحترم نفسه كي يحترمه الناس..هذا الرئيس رفض في 2010 التجديد له للمرة الثالثة، وخرج من القصر الجمهوري باكياً، ليس على كرسي الرئاسة، كما يحاول رئيس فولتا العليا إدخال البلاد في حرب داخلية من أجله، بل لأن سيلفا لم يلب رغبة شعبه الجامحة بتعديل الدستور كي يستمر فترة رئاسية ثالثة. وقال عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما «إنه أشهر سياسي على وجه الأرض»، حيث نقل بلاده من الفقر والفاقة والمرض إلى سادس اقتصاد عالمي في فترات وجيزة، وحوّل الديون إلى فوائض وازدهار اقتصادي قلص فيه نسبة الفقراء بشكل كبير. كما تمتع بالنزاهة والمقدرة على إنجاز الأعمال والدفاع عن الفقراء والمهمشين، ولذلك حصد حبهم رغم أنه رفض طلبهم وقال لهم: لو غيرنا الدستور لأنكم ترغبون في بقائي فقد يأتي غداً دكتاتور يغيّر الدستور ويحكمكم إلى الأبد». كومباوري في بوركينا فاسو يطلب استفتاءً لبقائه في كرسي السلطة، بينما ديلما روسيف تدعو إلى استفتاء على الإصلاحات التي تعتزم تنفيذها في البرازيل لتعيد العصر الذهبي الذي ساد إبان حكم راعيها الرئيس لولا دا سيلفا، التي ورثت من فترتي رئاسته نمواً اقتصادياً بلغت نسبته 7,5%، فواصلت طريقه ووسعت البرامج الاجتماعية التي يستفيد منها ربع سكان البرازيل البالغ عددهم 202 مليون نسمة، لكنها واجهت مصاعب من تباطؤ الاقتصاد الذي تحاول التغلب على معطياته. هذا هو الفرق بين الدكتاتورية والشمولية وبين الديمقراطية وإشراك الناس في صناعة الحاضر والمستقبل.