بعد كتابيه اللذين وجدا أصداء جيدة لدى القراء: «سيكلوجية الإنسان المقهور»، و«سيكلوجية الإنسان المهدور»، يعود عالم النفس والأكاديمي المصري المعروف مصطفى حجازي ليكمل ثلاثيته عبر كتابه الجديد «إطلاق طاقات الحياة: قراءة في علم النفس الإيجابي» من إصدارات دار التنوير 2012م. كان حجازي قد ركز في المؤلفين الأسبقين وبشكل مفصل على معوقات التنمية الموضوعية والذاتية على وجه التحديد، أما في الكتاب الجديد فقد كان اهتمامه منصرفًا إلى التركيز على إمكانيات الإنسان العربي وفاعليته الذاتية والجماعية، الظاهرة منها أحيانًا، والكامنة في معظم الأحيان، بسبب تعرضها للطمس والتهميش عبر رضوخها تحت وطأة أنظمة الاستبداد والقمع بكافة أشكالها. يسعى المؤلف جاهدًا للتنقيب عما يسميه «مكامن الإمكانات وطاقات الحياة التي ما زالت حية، ولو تحت السطح»، ويحاول الانتقال والابتعاد عما بات يعرف بثقافة الندب وإطلاق أحكام اليأس من إمكانية النهوض. ولتحقيق ذلك يستعين حجازي بوسيلة حرص على إبرازها وتحديدها في العنوان الفرعي للكتاب، ونعني بها: علم النفس الإيجابي. فما المقصود بهذا العلم وما الذي يهدف لتحقيقه؟ يذكر حجازي في مقدمة الكتاب أن علم النفس الإيجابي فرع حديث من فروع علم النفس، إذ دخل للتو في بداية العقد الثاني من عمره. وهو يركز اهتمامه على اكتشاف الإيجابيات وأوجه الاقتدار وتنمية الإمكانات لدى الفرد والجماعة والمجتمع، وإبراز أفضل ما لديهم والاشتغال على تعزيزه، وصولاً إلى تحقيق السعادة وحسن الحال. ويشكل العمل على تنمية الازدهار الإنساني غايته الكبرى. وقد نشأ هذا الفرع الجديد من علم النفس كنوع من إعادة التوازن ومحاولة الرد على الإفراط في التركيز على أوجه المرض والاضطراب والقصور لدى الفرد والجماعة، وهو بمنزلة الاحتجاج على طول هيمنة علم النفس المرضي وطروحاته على علم النفس العيادي والصحة النفسية، بحيث أصبح علم النفس في نظر العامة مرادفًا للحالات النفسية غير السوية التي تعاني نوعًا من أنواع الخلل أو النقص. يرجِّح علم النفس الإيجابي كفة الأطروحة التي تقول بأنه في مقابل أوجه الاضطراب والمرض لدى الإنسان، هناك أوجه الصحة؛ وفي مقابل القصور هناك الإمكانات الكامنة، وفي مقابل التشاؤم واليأس هناك التفاؤل والأمل. إن مجرد الاهتمام بالمرضى ومن يعانون خللاً في صحتهم النفسية -رغم أهميته وضرورته – غير كافٍ وحده لتفجير طاقات الحياة والنماء والازدهار التي نسعى جميعًا لتحقيقها. من هنا لا بد بالإضافة إلى علاج الاضطراب من العمل على تنمية القدرات والإمكانات وإفساح المجال أمام الإيجابيات التي لها آلياتها واحتياجات تفعيلها الخاصة بها، وهي محور اهتمام علم النفس الإيجابي في البحث والنظرية والتطبيق. يتكون الكتاب من ثمانية فصول، استعرض المؤلف في الفصل الأول منه أسس هذا العلم الجديد ومعطياته وتوجهاته ومجالات اهتمامه الراهنة، ووجه تركيزه في الفصل الثاني إلى إطلاق الطاقات الحية وتنميتها لدى الإنسان العربي على وجه التحديد. أما الفصل الثالث فيعالج مسألة التفكير الإيجابي من حيث مقوماته وآلياته مع التنبيه إلى مدى خطورة الاستسلام للتفكير السلبي الذي من الممكن أن يسيطر على وعي الإنسان بسهولة أكبر من التفكير الإيجابي. وامتدادًا لذلك وتوسعًا فيه، يبحث الفصل الرابع بشيء من التفصيل في التفاؤل والأمل الفاعل اللذين أصبح بالإمكان تعلمهما من خلال برامج محددة. أما الفصل الخامس فيعالج ما يسميه المؤلف الدافعية الجوانية الأصيلة، ويعني بها النزوع إلى الانخراط في مهمات تشكل تحديًا عاليًا لتحقيق أهداف قائمة بذاتها ولها دوافعها الذاتية وليست الخارجية. أما ما يطلق عليه المؤلف مسمى «الاقتدار الإنساني» فهو محور الحديث في الفصل السادس. في حين يقدم في الفصل السابع مفهومًا ومنظورًا جديدًا للقيادة في الإدارة والسياسة يتمثل فيما يسميه «القيادة التحويلية المنمية في الإدارة». أما الفصل الثامن والأخير فيعالج موضوعي الانفعالات الإيجابية وحسن الحال، حيث تتلازم الانفعالات الإيجابية مع التفكير الإيجابي في علاقة جدلية من التعزيز المتبادل. هذا كتاب قيم كُتب بقلم أستاذ ضليع في تخصصه، وهو يبث لدى قرائه طاقة إيجابية نحن أحوج ما نكون إليها في هذا الزمن العربي المليء بالمحبطات.